إذا كان قرار التفتيش المركزي الصادر في 2/12/2008 قد «حسم» عدم صحة فرضية تسريب أسئلة الامتحانات الرسمية لشهادات التعليم المهني لدورة عام 2008 العادية، فمَن يردّ الاعتبار المعنوي والمادي ويعوّض الأضرار التي لحقت بالتعليم وبرؤساء لجان ومعاهد وطلاب؟
فاتن الحاج
أظهر التحقيق الذي أجرته هيئة التفتيش المركزي، بناءً على طلب من وزيرة التربية، بهية الحريري، عدم قيام الدليل على تسريب أسئلة مادة الحقوق وبعض مواد لجنة الإدارة والتسويق لشهادات التعليم المهني والتقني الرسمية خلال امتحانات الدورة العادية لعام 2008. تقرير الهيئة نفى أيضاً وجود إشارات على بعض المسابقات، ما يدل على أصحابها في معهدي «الآفاق» و«السنابل» المذكورين في الشكوى المرفقة بكتاب الحريري. الوقائع قادت التفتيش إلى «إقرار عدم صحة فرضية التسريب، بدليل عدم تطابق الأسئلة التي كانت بحوزة مستشار الوزيرة مع الأسئلة المقترحة من اللجنتين المذكورتين، ونيل تلامذة المعهد المفترض أن الأسئلة سُرّبت إليهم، أي «الآفاق»، علامات في المسابقة المعادة أعلى من تلك التي نالوها سابقاً». وفي ضوء ظروف القضية، أوصى التفتيش بإعادة الامتحان عند وجود أسباب موجبة لذلك، وعدم البناء على اجتهادات غير مسندة قانوناً. لكن هل هذا حصل فعلاً عندما أعادت المديرية، بعد موافقة الوزيرة، الامتحان في مادة «تجانس العمل التجاري» لمستوى البكالوريا الفنية ـــــ بيع وعلاقات تجارية؟ هل اتخذ القرار بناءً على اقتراح قدمه رئيس مصلحة مراقبة الامتحانات للمدير العام ورئيس اللجان الفاحصة كما ينص القانون؟ أم أنّه تقررت إعادة الامتحانات بناءً على ضغوط من مستشار الوزيرة وشكوى من تجمع المعاهد في بيروت والضاحية الذي يضم معهد الكومبيوتر والعلوم الصناعية (CIS) تفيد بأن لجنة الإدارة والتسويق سربت الأسئلة لمعهد «الآفاق» المنافس لـ«CIS» بدليل العلامات المرتفعة لطلابه؟ المدير العام، على الأقل، أوضح في حديث سابق لـ«الأخبار» أنّ المستشار علي إسماعيل طلب منه الاطلاع على علامات المسابقة، فيما لم تكن اللجنة الفاحصة تملك دليلاً على صحّة الشكوى، «لكننا أعدنا الامتحان لتوخي الشفافية، ما دام هناك شكّ واحد في العلامات».
لكن لماذا لم يجرِ التحقق قبل اتخاذ تدابير احترازية تقضي بإعادة الامتحانات وإقالة رئيس اللجنة طوني فرح؟ وهل من مصادفة أن يتخذ قرار إقصاء فرح في يوم التسليم والتسلم بين وزير التربية السابق خالد قباني والحريري كي لا يتسنى له المراجعة في أسباب الإقصاء؟
مصادر رئيس اللجنة تقول إنّه تبلغ القرار في اليوم الأخير للامتحانات بعد إعداد الأسئلة لـ25مادة ومراقبة سير الامتحانات بتكليف شفهي من المدير العام، لكون قرار تأليف اللجان أصدره المدير العام السابق، يوسف ضيا. لكنّ المصادر نقلت عن الرئيس استغرابه عدم استدعائه لتوقيع ورقة الأتعاب. وعندما راجع المدير العام بذلك قال له، حسب المصادر: «ولا يهمك بتمضيها عندي». إلاّ أنّ دياب نفى، في اتصال مع «الأخبار» أن يكون رئيس اللجنة المُقال قد كُلّف بالامتحانات. وفيما تشير المصادر إلى أنّ رد الاعتبار المعنوي لفرح يكون بإعادته إلى اللجنة التي عمل فيها 12 سنة بين رئيس ونائب رئيس، يؤكد دياب أنّه لم يعد هناك مانع قانوني من التعيين، لكن ليس هناك ما يلزم المديرية بذلك. وتلفت المصادر إلى أنّ فرح يتجه لرفع دعوى جزائية مباشرة على من ظلمه.
لكن الضرر المعنوي لم يلحق فقط برئيس اللجنة، بل أُسيء إلى التعليم المهني ومعاهد شعرت بتهتّك سمعتها، وهي تسأل عمّن يعيد لها الاعتبار المعنوي، وتحاول البحث عن المستفيد من اللعبة، وتسأل عمّا إذا كان هناك فعلاً خلفية مادية كما يتحدث المراقبون لأحد رؤساء المصالح في المديرية مع المؤسسة المنافسة للمعهد المتضرر، أم أنّ الهدف سياسي يتمثل بتوجيه صفعة قاسية لرئيس اللجنة والمعهد لإقفاله؟
السؤال الأخير: «هل تتقيد الوزارة والمديرية بتوصيات التفتيش الذي دعا إلى إعادة النظر في الأنظمة والقوانين الراعية لامتحانات «المهني» وتحديثها لجهة عدم تعيين رؤساء اللجان ونوابهم من غير موظفي القطاع العام، حرصاً على تحديد المسؤوليات عند حصول مخالفات والسعي إلى تأسيس بنك للأسئلة، وتقليص عدد المطلعين عليها ما أمكن، قبل توزيعها على مراكز الامتحانات؟


كلفة الامتحانات
80 مليون ليرة؟!


كم كلّفت الدولة إعادة مسابقة واحدة لنحو 1500 طالب؟ مصادر معنية تقدر المصاريف بين القرطاسية وأجور الموظفين والمراقبين والمصححين وأعباء نقل الطلاب بـ50 مليون إلى 80 مليون ليرة، فضلاً عن أنّ بعض الطلاب لم يتمكنوا من المشاركة بداعي السفر، أو ببساطة لم يتبلغوا بها، فنالوا علامات مُلغاة أضاعت عليهم السنة.


هل ينفذ المدير العام للتعليم المهني والتقني، أحمد دياب ما تعهد به قبل صدور قرار التفتيش، وهو الحفاظ على قيمة الامتحانات وسرّيّتها وكرامة الناس، بحيث يرفع الظلم عمّن ظُلموا ويتّخذ بحق المخطئين أقصى العقوبات؟ هذا على الأقل ما ينتظره المتضررون

أقالت الوزيرة الحريري على خلفية القضية مستشارها علي إسماعيل من منصبه. لكن إسماعيل نفى في اتصال مع «الأخبار» أن يكون لديه علاقة بما جرى في مادة التجانس التجاري، وقد اتصل بالمدير العام فقط لإبلاغه معلومات عن تسريب أسئلة القانون التي جرى تغييرها ليلاً