صابر الطيب57 دولة و57 جيشاً و57 شعباً هي الدول والجيوش والأنظمة التي يتكوّن منها العالم الإسلامي. من بين هؤلاء 22 دولة عربية تعنيها القضية لاعتبارين، أولهما الانتماء العقائدي وثانيهما الانتماء القومي. وبهذا أعني الدول العربية والقضية الفلسطينية سابقاً، وغزة حالياً، حيث إن العدو الإسرائيلي بارع جداً في تحويل بوصلة الصراع عن اتجاهها الصحيح؛ فبدلاً من القضية الأساس وهي تحرير فلسطين، أضحينا نطالب اليوم بإيقاف العدوان على غزة، نطالب بتحرير غزة في ظل خلافاتنا الفلسطينية ـــــ الفلسطينية والعربية ـــــ العربية، لقد أضحت قضيتنا قضايا ومسائل خلافية.
اليوم غزة تنفرد في مواجهة عنيفة دفاعاً عن 57 دولة وجيشاً وتدافع عن كرامة 22 دولة لم تستطع مجرد الاتفاق على قمة طارئة، مما أوحى بتواطؤ دولي ـــــ عربي ـــــ صهيوني على غزة والفصائل المقاومة داخل هذا القطاع العصيّ على الاحتلال.
لا أحد منّا ينكر أن الشعوب العربية والإسلامية ومعها الشعوب العالمية الحرة، هالها ما يحدث في غزة، وهذا المشهد تعودنا عليه كل مرة تعصف بالأمة العربية والإسلامية عاصفة عدوان إسرائيلي، كما جرى في حرب تموز 2006 على لبنان. كما تعودنا على خروج المتظاهرين شامتين ولاعنين الأنظمة وتخاذلها، كما تعودنا على الشعوب ذاتها تتظاهر تأييداً للرئيس لدى فوزه بالانتخابات الرئاسية وبنسبة 99 في المئة.
لن نكفر بالشعب العربي بل إن الخير موجود في هذه الأمة إلى فناء الكون، ولكن لا بد من السعي الدائم والحراك الشعبي الدائم لتغيير هذه الأنظمة، وإن كان الحديث عن تغيير هذه الأنظمة مشابهاً للحديث عن تحرير القدس.
غزة انتصرت بصلابتها وثبات شعبها ومقاومتها الباسلة. صمدت أمام أعتى آلة عسكرية في المنطقة، وعينها على إخوتها الشعوب العربية والإسلامية والشعوب الحرة. وقد أصابت غزة، فلم تخصص جامعة الدول العربية أية نظرة أمل.
غزة انتصرت معتمدة على الصدور العارية والسلاح البدائي، ولم تنظر إلى مستودعات الأسلحة على مقربة منها. لم تحلم بأن الأجواء المحيطة بها ستمتلئ بالطائرات العربية للدفاع عنها، بل أيقنت أن الأجواء العربية ستكون مفتوحة للطائرات الإسرائيلية لتغير عليها. غزة لم تأبه لكل ذلك... فانتصرت.
الجيش الإسرائيلي الذي أجرى مناورات بأسماء مختلفة توحي بأن الوحش قادم، وتزوّد بالأسلحة ثم قرر مهاجمة الخاصرة الأضعف لاعتبارات عديدة تعنيه، ولكن من المؤكد أنه قرأها خطأً، فإذا غزة اليوم تثبت أن الجيش الإسرائيلي واهن أمام إرادة المقاومة. وغزة تثبت أن كل قوة الردع الصاروخي الإسرائيلية والشبكات المضادة للصواريخ الأميركية الصنع، عاجزة أمام الصاروخ الغزاوي الصنع.
وعود على بدء، لا يعتقدنَّ أحدٌ أننا نقلّل من شأن التحركات الشعبية، فلست سعودي المذهب، بل إننا نؤكد على استمرارها. نعوّل على الضفة الغربية ونأمل البقاء في الشارع وانتفاضة ثالثة، فأهل الضفة هم أهل الدار، ونتطلع إلى جندي عربي غير آبه بالحدود والاتفاقات، ليطلق النار، ونتطلع إلى ضابط عربي احترق قلبه على ما يحدث لأمته فيفجر ثورة ضباط أحرار.
غزة انتصرت، وغداً سيأتي مَن يقول إن الجهد الدبلوماسي والمقاومة الدبلوماسية هي التي حمت غزة وجعلتها تصمد. أسطوانة حفظناها، ومردّدوها كالببغاء كل مرة يرددون.