إبراهيم الأمينيبدو أن هناك الكثير من الأمور التي تحتاج إلى تدقيق، وليس في الأمر ما يتعلق بإعطاء الدروس أو توسيع دائرة التوتر أو خلاف ذلك من التقديرات التي تبدو عن بعيد كأنها نوع من الترف السياسي. ولأن جريمة العدو في غزة أعادت ربط الملفات بأقوى مما كانت عليه سابقاً، فإن بعض العناوين السياسية الداخلية لا يمكن فصلها عما يجري عندنا، إلا إذا كنا نصدّق فعلاً أن «تبويس اللحى» بات عرفاً في السياسة المحلية كما يجري تعميمه عربياً باسم الأصالة والبدوية والعشائرية وخلاف ذلك.
لم يكن العدوان على غزة قد توقف في جانبه الناري، حتى انطلق فرع فلسطين من جماعة الألسن نفسها والأدوات نفسها التي حاولت في لبنان تدفيع المقاومة ثمناً سياسياً لانتصارها في وجه العدوان عام 2006. وهذه المجموعة ليست ذات خصوصية محلّية، وهو أمر لا يحتاج إلى أدلة وبراهين تضاف إلى ما يقومون به وما يقولونه. إذ إنهم من أتباع المحور نفسه: الولايات المتحدة وقسم من العجوز أوروبا، إضافة إلى مصر والسعودية وأطراف دول الاعتلال، على ما قال أحدهم، لا قوى الاعتدال.
ولأن المعركة واضحة، فحتى الأنجاس والمناكيد لا يحتاجون إلى تغطية او اسم مستعار. وعناوينهم معروفة؛ في لبنان هم جماعة 14 آذار، وفي فلسطين هم جماعة رام الله وأنصار الدحلان في غزة. ولدى هؤلاء فريق إعلامي كبير يمتد على طول العالم، من فضائيات وصحف ومواقع إلكترونية أنشئ بعضها في قلب المعركة، إضافة إلى أجهزة بث الشائعات والسموم العاملة دون توقف في كل العالم.
بعد حرب تموز، مالت المقاومة في لبنان ومن يؤيّدها إلى سياسة الانفتاح على حل منطقي يأخذ بعين الاعتبار فشل العدوان في تحقيق أهدافه. لكنّ الفريق الآخر بقي متزمتاً وملتزماً تحقيق ما فشلت القوة في انتزاعه، وظلّت الأمور على هذا النحو إلى حد فكرة الحرب الأهلية التي ظن فريق 14 آذار أنها تفيده وأنه يقدر على تحمّل تبعاتها. وجاء السابع من أيار على شكل صفعة لا أكثر، أريد منها أن يعي الناس ما يحصل عندهم ومن حولهم، لكن لا من يتّعظ ولا من يحزنون.
قبلها كان أنصار الفريق نفسه يعدّون للانقلاب الشامل في الضفة الغربية وقطاع غزة. ساعدهم الاحتلال مباشرة في مناطق الضفة، فاعتُقل من اعتُقل وقُتل من قُُتل وحوصر من حوصر، وحاول الدحلان فرض آلياته بقوة الدم في غزة، فكان أن قضي عليه في ساعات أيضاً، ومع ذلك فقد استمر فريق رام الله بأصلييه وباللاجئين إليه من غزة يحاولون، حتى استعدّوا للعودة إلى غزة خلف دبابات العدو ولم ينجحوا.
ولأن هول الجريمة في غزة كان أقسى مما ظنّ المجرمون وأذنابهم، فإن الحياء ظهر على البعض على شكل صمت أو حياد شكلي أو هجوم بالقبل. لكنّ صمود المقاومة في غزة، كما في لبنان، كان له الوقع الأكبر، فكان على هذا الفريق العودة إلى منطق المسايرة حتى إذا ما تغيّرت الظروف، ولو قليلاً، عدنا إلى المربع الأول، حيث لا يفكر هؤلاء إلى بإقصاء الجميع وببيع البلاد والعباد إلى من يرغب في الجوار القريب أو للغريب البعيد.
وسط كل ذلك، لم يكن ممكناً أن تقبل حماس مصالحة بأي ثمن في الداخل، ولا يحق لها سوى مصالحة كاملة مع أهل القطاع الذين حموها ووقفوا إلى جانبها وتحمّلوا معها المصاعب والآلام، وعلى حماس أن تعمل على إرضاء هؤلاء ليل نهار، من خلال برنامج شراكة لإدارة أحوال هذه المنطقة المنكوبة، بينما على الآخرين دعمها في وجه زعران رام الله. فكيف نفعل ذلك ونهجم نحن لملاقاة الأنجاس أنفسهم في لبنان.
أي حاجة للمقاومة في ترتيب علاقة مع وليد جنبلاط كأنه الخطر الأكبر؟ وأي حاجة تفرض على المقاومة بذل جهد مع هذا الرجل الذي لم يعد بمقدوره صياغة موقف يلزم به كل الباقين في 14 آذار، وخصوصاً تيار «المستقبل»؟ وأي قيمة مضافة إلى هذا الرجل حتى نخسر معه وقتاً وجهداً وحياكة لقميص يحرق ما إن يخرج إلى الضوء..
أظهرت حركة التضامن الشعبي مع غزة وفلسطين أن في الشارع العربي من ينتظر قيادة مبادرة تعمل بحكمة، لكن من دون مسايرة، وفي ظن الجميع أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق تيار
المقاومة.