هو تجمع سكني يقع بين منطقة التعمير ومكب نفايات عين الحلوة. لا تشبه بيوته إلا «علب السردين»، وترزح تحت أسقفه المصنوعة من ألواح الزينكو عائلات فلسطينية تتقاسم البؤس، وهي بمعظمها شُرِّدت من مخيمي النبطية وتل الزعتر، وقد لجأت إليه أخيراً عائلات من مخيم نهر البارد
سوزان هاشم
قد يكون من الصعب القبول بقول إن الوضع المزري للتجمعات «المؤقتة» للفلسطينيين هو شيء «عادي». وضعٌ لا يبدو أن الرأي العام يتحسسه إلا حين تحدث مأساة كالتي عاشتها غزة أخيراً. إلا أن شقاء الفلسطيني بهذا المعنى فعلاً «عادي»، بمعنى أنه موجود في غالبية تلك التجمعات، وما تجمع «أوزو» إلا مثال حي على ذلك. تعود تسمية «أوزو»، بحسب ما يشير إليه أهالي المجمع السكني في صيدا، إلى التشابه الكبير بين منازله، ومساكن منطقة أوزو بين ليبيا وتشاد، التي قطنها مقاتلون فلسطينيون (عام 1981) شاركوا الجيش الليبي أيامها في الدفاع عن تلك المنطقة. التجمع أسسته بالطبع منظمة التحرير الفلسطينية، بعد استئجار قطعة الأرض هذه، ومساحتها 600م2، من عائلة لبنانية. وبما أن المجمع يقع على «الحدود» بين صيدا وعين الحلوة، «فإن إدارة شؤونه مهملة: فالأونروا كفّت يدها عنه باعتباره واقعاً خارج مخيم عين الحلوة. أما بلدية صيدا، فترى أنّ الأرض تابعة للمخيم» بحسب الأهالي.
ولكن ما الذي دفع بـ55 عائلة إلى اللجوء إلى هذا التجمع الذي تأبى الرائحة الكريهة المتصاعدة من مكب نفايات عين الحلوة الملاصق له أن تفارق سكانه؟ والأهم من ذلك كله، ما الذي يدفعهم للعيش في مكان تغيب عنه أي سلطة لإدارة شؤونه، ولا سيما بنيته التحتية، وفي أرض غير مضمون استمرار العيش عليها، لكونها غير مملوكة من هؤلاء السكان؟
«ما لقيت غير هالقرنة استقر فيها مع العيلة»، هكذا تجيب أم لؤي، مردفة بأن قرار الانتقال إلى هنا «لم يكن باختيارنا، بل كان بحكم الظروف المريرة». فبعدما شُرِّدوا من مخيم النبطية، انتقلوا إلى مجدليون، شرقي صيدا، بيد أن المعارك التي دارت هناك إبان الحرب الأهلية جعلتهم يحطون رحالهم في هذا التجمع، حيث «اشتريت منزل بغرفة واحدة من قاطنيه بسعر زهيد أيامها (100ألف ليرة)، مع أن الأرض ليست ملكهم». بيد أن العادة جرت بحسب ما تقول أم لؤي «ناس بتروح وناس بتقعد مقابل ثمن معين». ولا تخفي هذه المرأة هاجس السكان، فـ«الأرض غير مضمونة، ولا نعلم متى يأتي أصحابها ويطردوننا». لكن رغم الحالة غير المضمونة للسكن في هذا التجمع، فإن قاطنيه لا يجدون بديلاً منه «فهو أقل ثمناً من غيره، ولا مكان كافياً للسكن داخل المخيم»، يقول عمار العلي، مشيراً إلى أنه انتقل من عين الحلوة حيث كان يستأجر منزلاً، لكنّ بدَلَ الإيجار المرتفع وعدم إيجاد أرض لبناء منزل، دفعاه إلى الانتقال إلى هنا. ويشير إلى أن تنازل مالكي الأرض عن استثمارها يعود إلى مجاورتها لعين الحلوة.
أما أم خالد التي هُجِّر زوجها من مخيم تل الزعتر، فقد رفضت التحدث إلينا ظناً منها أننا نمثل جمعية ما، «اتركونا بحالنا، إحنا الفلسطينيين شبعنا كذب»، قالت مضيفة: «عالوعد يا كمون» في إشارة إلى وعود تلك الجمعيات التي غالباً ما تمرّ على المخيم لاستطلاع أحوال من فيه، واعدة بالعودة. ففي السنوات الأخيرة المنصرمة، انقطعت المساعدات التي كانت تقدمها هذه الجمعيات، ما اضطر أُم خالد للعمل في تنظيف البيوت لمساعدة زوجها الذي يعمل بفترات متقطعة في جمع التنك، لإعالة أولادهما الخمسة.
ورغم ضيق مساحة التجمع، بيد أن صدره واسع يستقبل جميع الوافدين إليه، ولا سيما نازحو مخيم نهر البارد. من هؤلاء عائلة أبو ياسر التي هربت «من الأمراض والأوبئة المنتشرة في البراكسات المستحدثة هناك التي باتت لا تتسع لأفراد العائلة أصلاً»، مضيفاً: «صارت العيشة كتير صعبة هناك، ومع كل هالبهدلة هون بتضل أفضل من هونيك».
ويلفت سكان أوزو، إلى أن هذا التجمع، رغم حالته المزرية الراهنة، هو أفضل بكثير ممّا كان عليه منذ 5 سنوات، قبل أن يُصلح الاتحاد الأوروبي مساكنه ويؤهلها. إذ استُحدثت حمّامات في كل منزل بعدما كانت مشتركة لجميع سكانه، وقد كان البعض يلجأ، حسب الأهالي، إلى قضاء حاجاته بأكياس النيلون! كذلك تمّ تبليط الأرض وبناء جدران من الباطون بدلاً من الخشب والقش وألواح الزينكو. أما الأسقف فما زالت مصنوعة من الزينكو نزولاً عند رغبة أصحاب الملك (لإبقاء طابع المؤقت)، ومُدَّت شبكة صرف صحي بعدما كانت مياهها المبتذلة تجري أمام المنازل. بيد أن هذه الشبكة لم تحلّ المشكلة جذرياً، ففتحات التهوئة لهذه الشبكة موجودة أمام المنازل، وفي فصل الشتاء كثيراً ما تفيض المجاري! وعملية الإصلاح هذه لم تجد حلاً لمكبّ نفايات عين الحلوة الملاصق لأوزو، الذي تنبعث منه روائح كريهة لا تفارق السكان، لدرجة قول أحدهم: «صار عندنا مناعة من الريحة».


تشرذم المسؤولية

مشكلة النفايات والعيش جنباً الى جنب معها تبدو مستعصية في ظل «تشرذم المسؤوليات». وتشير إيمان أبو صلاح من مركز التنمية الإنسانية إلى أن «نوعية المساكن في المجمع غير متفقة مع أدنى شروط السكن الصحي»، مطالبة الأونروا والبلدية بإدارة شؤون التجمع، ولا سيما في ما يتعلق بنقل النفايات.