هاني نعيمأتذكّر الجامعة اللبنانية والكافيتيريا الخاصة بها. يوم كانت النقاشات تبدأ «عالريق» ولا تنتهي بعد الظهر، لتبدأ صباح اليوم الثاني، في سلسلة أشبه بدوّامة. هكذا مضت أربع سنوات من النقاشات التي تراوحت بين الانقسام والاتّهام. مرّة كنّا ننقسم بين يساريين ويمينيين وآخرين لا يعرفون أين يقفون، فيتفرّجون صامتين. وأحياناً بين ملحدين ومؤمنين ومتزمّتين ومشككين. وأحياناً أخرى بين منتقدين لممارسات سوريا في لبنان، وآخرين مؤيدين لها. وتارةً ننقسم حول اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، بين متّهمين لأميركا وأذيالها، ومتّهمين لسوريا وعملائها، إلى ما رافق المشهد السياسي من انقسامات. كنا نستمتع بتلك الجلسات الطويلة. لا يصيبنا ملل. إنّها فسحة لاختبار القدرات والطاقات.
عدم إلزاميّة الحضور أعطاني حجّة كافية لأبقى في الكافيتيريا أربع سنوات، وأفقدني القدرة على الاستماع إلى محاضر ما لمدّة تزيد على عشر دقائق. فمنذ خمس سنوات وأنا أغفو في كل الندوات التي أحضرها، وعندما يسألني أحد عن الندوة أقول له: «كان لذيذاً». أقصد بذلك النوم طبعاً.
أحنّ اليوم إلى أيام الجامعة، وإن لم تكن كما أحب وأطمح على غير صعيد. أمّا بالنسبة إلى الكافيتيريا، فهي مثّلت اختصاصاً إضافياً إلى الاختصاص الذي درسته، فتخرّجت بشهادتين: شهادة الجامعة الرسمية، وأخرى متعارف عليها بين روّاد الكافيتيريا وهي «الكافيتيريولوجي».