كلّف النائب العام التمييزي قائد سرية درك طرابلس إجراء التحقيق الأوّلي في حادثة التمرد في سجن القبة. وضع السجن مأسوي، وهو لا يصلح ليعيش بشر فيه. وبعد كل تمرّد، يُفتَح تحقيق وينقل بعض السجناء ورجال الأمن والضباط. لكن، متى تتحرّك الدولة لوضع حد لهذه المأساة؟
طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
انتهت، بسلام، قبل ظهر أمس عملية التمرّد التي اندلعت في سجن الرجال في منطقة القبة بطرابلس عصر يوم الأحد الماضي. وسلّم المتمردون أنفسهم إلى السلطات الأمنية، بعد مفاوضات شاقّة استمرت نحو 18 ساعة، وانتهت بالإفراج عن عنصري قوى الأمن الداخلي اللذين احتجزهما المتمردون.
فبعدما تعثرت كل المحاولات التي جرت ليل أول من أمس في التوصل إلى أيّ نتيجة مع المتمردين الذين قاموا بتحركهم قرابة الساعة الخامسة من مساء الأحد، والتي بذلها نواب وشخصيات سياسية وأمنية ودينية، كانت الجهود تبذَل لإيجاد مخرج للقضية يسير في خطين متوازيين: تمثل الأول باستقدام عناصر أمنية إضافية من فرقة الفهود وقوات مكافحة الشغب، فضلاً عن الاستعانة بقوة من الجيش تمهيداً لاقتحام السجن.
أما الخط الثاني فقد تمثّل في مفاوضات بذلها منذ الساعة الثالثة والنصف من فجر أمس مستشار وزير الداخلية زياد بارود، الدكتور عمر نشابة، بالتعاون مع آمر سرية درك طرابلس العقيد بسام الأيوبي وآمر فصيلة السجن الرائد إلياس إبراهيم، قبل أن ينضمّ إليهم قائد الدرك العميد أنطوان شكور، إضافة إلى العميد المتقاعد محمد ياسر الأيوبي الذي كان نجله يحيى أحد قادة المتمردين.
وفي موازاة عملية التفاوض، اتخذ الجيش وقوى الأمن الداخلي إجراءات وتدابير احترازية داخل السجن وفي محيطه، فأغلقت المنافذ والطرقات المؤدية إلى الشارع الرئيسي حيث مكان السجن، ما أدى إلى توقيف الدروس في كليتي الآداب والحقوق وفي معهد العلوم الاجتماعية الملاصقين للسجن.
ومع أن المتمرّدين بقوا على مواقفهم طوال ساعات الليل، ورفضوا إنهاء التمرد أو الإفراج عن الرهينتين، أو التوقف عن إشعال الحرائق داخل غرف الطبقة الثانية من السجن، فإن المفاوضات مع المتمردين أوجدت جوّاً من الهدوء، وسمحت بإدخال مواد إسعافات أولية لأحد المساجين الذي كان قد شطّب نفسه، مقابل إدخال دواء لأحد العسكريين المحتجزين كونه مصاباً بداء السكري. وبعد أخذ وردّ امتدّا حتى التاسعة والنصف صباحاً، توقفت المفاوضات لنحو نصف ساعة بسبب تعنّت المتمردين وتشعّب مطالبهم وتعدّد الناطقين باسمهم، وتأثير الأدوية المهدّئة التي تناولوها بعدما سيطروا على صيدلية السجن. وأعاد المتمردون إشعال النيران داخل غرف السجن، في موازاة قرعهم على أبواب الغرف والنوافذ. وقد تدخّلت سيارات الإطفاء لإخماد حريق كبير شب على مدخل السجن، ما ترك أثراً إيجابياً لدى السجناء الذين لاحظوا حرص القوى الأمنية على الحفاظ على حياتهم، بحسب ما أشار مسؤول أمني.
وقرابة الساعة العاشرة دخل على خط المفاوضات العميد المتقاعد محمد ياسر الأيوبي، الذي أفادت مصادر أمنية أنه «وبّخ ابنه، وطلب منه إنهاء التمرد بسرعة»، الأمر الذي سمح بعودة المفاوضات مع المتمردين مرة ثانية، فيما كانت سيارات إطفاء الدفاع المدني وسيارات الإسعاف تدخل إلى باحة السجن الداخلية، إضافة إلى إدخال حفارة «بوكلين» وجرافة إلى باحة السجن.
وقرابة الساعة الحادية عشرة، خرج الدخان الأبيض من السجن، بعدما وافق المتمردون على الإفراج عن الرهينتين وعلى تسليم أنفسهم. وقد نقل 12 متمرداً في شاحنة لنقل السجناء إلى مكان آخر، قبل خروج البوكلين والجرافة. المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، وعد «بنقل كل مطلب محقّ إلى السلطة المعنيّة»، مشيراً «إلى ضرورة إعادة النظر جذريّاً وكليّاً بواقع السجون». وفي ما يتعلق بمطلب خفض سنوات العقوبة، قال ريفي: «سننقل هذا المطلب إلى السلطات المعنية، وأعتقد أن الملف بات رهن المتابعة. سجوننا غير صالحة إنسانيّاً لاستيعاب ما يزيد على خمسة آلاف سجين، ويجب أن يكون هناك سجن مركزيّ في بيروت وجبل لبنان، إضافة إلى سجون كبرى في المناطق».
قائد الدرك، العميد أنطوان شكور، لفت إلى أن المفاوضين «حاولوا كسب الوقت ومساعدة السجناء إنسانياً، لكن الكثير من المطالب يتخطّانا. الخطة نجحت وهناك تحضيرات لإصلاح السجن، ومعالجة بعض الأسباب سريعاً كي لا نتعرض لمثل هذه الأمور مجدداً». وأضاف: «تعاملنا مع السجناء على أنهم أبناؤنا، واستمعنا إلى مطالبهم، لكن الواقع يتطلب الكثير من المساعي».
وأشار مصدر مطّلع إلى أن المتمردين أوقفوا تحركهم لأسباب عدة، أبرزها: الدخان الكثيف داخل السجن، تنفيسهم عن غضبهم وثقتهم بالمفاوضين الذين أقنعوهم بأن تحركهم وصل إلى حائط مسدود وأن القوى الأمنية لا تستعرض قوتها أمامهم، بل هي جادة في اقتحام السجن في حال تعثر المفاوضات.


أبعد من القانون

أوقف متمردو سجن القبة تحرّكهم قبل ظهر أمس، ونقل عدد منهم إلى سجون أخرى ليست أفضل حالاً من سجنهم الذي زادت النيران سوء حاله. الحكومات اللبنانية لا تحترم البشر، وتتصرّف كأن السجون أماكن لمعاقبة الناس بأكثر مما نص عليه القانون. وبذلك، قد لا تطول المدة الفاصلة بين تمرّد وآخر.