«يا دلّي ما عندي غيرو هالصبي، دخيلكن خلوني شوفو». كلمات قليلة كانت ترددها والدة أحد السجناء الموجودين داخل سجن القبة الذي كان مسرحاً للتمرد على مدى اليومين الماضيين. كانت السيدة تصرخ باكية، قبل أن تبدأ بلطم وجهها بكلتا يديها، مطالبة عناصر الدرك بالسماح لها بالدخول لرؤية ابنها والاطمئنان إليه. لم تنفعها محاولة أكثر من رجل أمن بتهدئة خاطرها، كانت صورة ابنها وسط النار والدخان المتصاعد من شبابيك السجن، تجول في رأسها. عكست حالة هذه الأم واحدة من عشرات الحالات. أمهات وزوجات وأخوات تجمعن منذ مساء الأحد أمام مدخل السجن. ضجّ المكان بعويلهن وبكائهن، حتى طغى لوهلة على نظر الحاضرين، الذين تجمهروا فيه بالعشرات، وقد انتابهم الفضول لمعرفة تداعيات «التمرد في القبة».«إذا ما فيني شوف إبني خليني إطّمّن عليه، دخيلكن قلبي عم يحترق، شو إنتو بلا قلب؟». تقول سيدة أخرى، والدة سجين آخر، بعدما بذلت ما استطاعت من جهد للدخول إلى السجن، ولم توفّق في ذلك. لم تكن طمأنة أحد أفراد الدرك لها كافية، رغم إصرار الأخير بالقول: «لا تخافي، الجميع بخير».
تقول مريم وهي تمسح دموعها: «لا أعرف شيئاً عن مصير ابني، يمكن مات الله لا يقدر. رأيت شبيهاً له ينقلونه في سيارة الإسعاف، أنا برّا واختنقت من الدخان». كانت تحاول أن تتخيّل سير الأمور في الداخل. أما والدة الموقوف ر. ر. فرفضت الابتعاد إلى الخلف وتمردت على الدرك بطريقتها العفوية، فسألتهم بعصبية: «حرام عليكم شو إنتو بلا قلب وبلا شفقة ورحمة؟». ثم أردفت بأن ابنها موقوف في حادث قتل عرضي، وحكم عليه بالسجن 15 عاماً، وحاولت إقناعهم بأن ابنها صالح، إذ أخبرتهم أنه «تقدّم من داخل السجن لامتحانات شهادة البكالوريا ونجح فيها»، وهو ينوي الالتحاق بالجامعة إذا سمحوا له، وتسألهم مجدداً: «هل مكتوب عليه إذا سُجن أن يموت حرقاً أو خنقاً؟».
إلا أن وضع أم وائل كان مختلفاً عن الجميع، فولدها الأول أصيب بأمراض عدة منذ دخوله إلى السجن، «وهم يرفضون إيصال الأدوية التي تُرسَل إليه، رغم خضوعه لأكثر من عملية في الكلية والمرارة والبحصة» تعلن غاضبة وتسأل: «هل هذا سجن أم قبر؟ فليخبرونا».
ع. ص.