عامر ملاعبتخفض ريما أ. رأسها خجلاً عند الحديث عن الأوراق الرسمية والثبوتية، هي ابنة 18 عاماً ولا تمتلك بطاقة هوية تعرّف عنها، بل مجرد ورقة من مختار البلدة. تخاف ريما من كل طارئ وغريب، أو من كل ما له علاقة بالدولة وأجهزتها الرسمية والأمنية.
ترفض الفتاة الحديث عن «مصيبتها» إلا بعد أن تأمن جانب المستمع ويتعهد بعدم فضح هذه القصة المؤلمة، ورفضها أن يذكر اسمها وعائلتها أو صورتها في أي وسيلة إعلامية، أكانت مقروءة أم مرئية، «لأنني مختلفة عنكم وعن كل أصدقائي وعن المجتمع بكامله، لكم أحلامكم ولي أحلامي: أنتم تحلمون بالجامعة والتخصص والعمل والوظيفة والتفوق والنجاح، وأنا أحلم بتجنب نظرات الناس حين يكتشفون أمري وألا هوية لي، أحلم بأن أكمل تعليمي بعد نجاحي في الشهادة المتوسطة، بينما إخوتي جميعاً أخرجهم والدي من المدرسة لكي يعملوا ولأنه من المستحيل أن يتقدموا إلى الشهادات بدون أرواق ثبوتية. أنتم تحلمون بالسفر والوظيفة والشهرة وأنا وإخوتي نحلم بتجنب المشاكل في الشارع أو مع القوى الأمنية، إضافة إلى العويل والصراخ اليومي والضرب والخوف من والدي». وتضيف بعصبية «لمن ألجأ كي يساعدني وإخوتي مما نحن فيه؟ نحن نعيش في الظل بعيداً عن عيون الناس وفضولهم، ننتقل في الشوارع كالفئران الهاربة خوفاً من شرطي أو عسكري، ويفرح بنا أي رب عمل لأننا لا نكلفه عناء الضمان الاجتماعي والتأمينات الصحية، التي تتطلب بدورها أوراقاً ثبوتية».
يتدخل شقيقها التوأم طارق ليروي خوفه الشديد من رؤية شرطي، إذ إنه قد أوقف مرةً لأن «هوية الناس مش ورقة مختار» بحسب ما قال له الشرطي، وأطلق سراحه بعد 24 ساعة بعد تدخلات من أحد الأقارب ومختار البلدة، إضافة إلى «رب عملي، وهو شخص نافذ جداً ساعدني على الخروج من ذلك المأزق الذي لم أكن لأخرج منه لولاه».
تروي والدة ريما، ن.ر.ع. قصة العائلة المنكوبة. تقول إنها فلسطينية الجنسية، تزوجت من اللبناني ز.ف.أ. بعدما تعرفت إليه في المملكة السعودية، وعقدا القران هناك لدى المحاكم الرسمية، وعاشا سنوات أنجبا فيها أربعة أطفال دون أن يسجلاهم في السفارة اللبنانية هناك. وفي عام 1994 عادا إلى لبنان «بناءً على تسجيل الأطفال على جواز سفر والدهم»، كما تقول السيدة الأربعينية التي تضيف «أعطى زوجي الأوراق إلى أحد معقبي المعاملات، لكن هذا الأخير عاد وأخبرنا بأن الأوراق قد ضاعت منه!! وهكذا عاش أطفالي دون أوراق ثبوتية باستثناء إفادة المختار أن فلاناً قد رزق بطفل». تسكت السيدة للحظة لتتابع قصتها «أدمن زوجي الكحول منذ ذلك التاريخ. لدي سبعة أولاد وقد وضعتهم في إحدى دور الأيتام في بلدة عبيه، فقط ابنتي الكبرى وصلت إلى صف البروفيه والباقون خرجوا إلى سوق العمل بأبخس الأجور. ولا نستطيع مناقشة أصحاب العمل لأننا محتاجون لحمايتهم. ولم نتجرأ كعائلة حتى اليوم على تقديم شكوى رسمية أمام المحاكم اللبنانية خوفاً من رد فعل زوجي. فهو يهددنا دائماً بأنه إذا ما أقدمنا على ذلك، فلن يعترف بأبوته للأولاد». وتتوقف لحظات كي تضع قطعة خشب صغيرة في المدفأة وسط الغرفة وتتابع «حاولت مراجعة السفارة السعودية كي أحصل على أوراق ثبوتية، ولكنهم منعوني من الدخول بدواعي القلق الأمني، وأنا لا أمتلك ما يثبت هوية أبنائي، لذا أناشد المسؤولين والجمعيات الأهلية العاملة في هذا الحقل مساعدتنا بكل الوسائل والطرق كي يحصل أولادي على حقهم في الوجود مثل الآخرين».


إفادة بدل هوية

«أنا الموقع أدناه مختار بلدة كذا، أفيد بأن الفتاة اسمها كذا، هي ابنة فلان وفلانة، ليس لديها أوراق رسمية ثبوتية، وهي بانتظار استكمال ملفها من الدوائر الرسمية المختصة، لذا أعطيت هذه الإفادة».
هذا هو نص الإفادة التي يتجول بها 7 أولاد من هذه العائلة المنكوبة بأبسط حقوقهم. كيف يتنقلون؟ كيف يأخذون الشهادات؟ كيف يعيشون بدون أبسط تأمين صحي؟ ثم لمَ لا يجبر القانون الوالدينَ على تسجيل نفوس أولادهم؟ ولمَ لا تطبق إجراءات صارمة على المخالفين؟ ألا يجب معاقبة المخل بحقوق القاصرين؟ ومن يعالج الأثر النفسي لمعاناة كهذه؟ مع العلم أن تصحيح الخطأ لا يحصل إلا إذا رفعت الأم أو الأب دعوى لتصحيح أوضاع الأولاد، أو رفع الأولاد أنفسهم دعوى ما إن يصلوا إلى السن القانونية.