قانا ــ آمال خليلفي روضة شهداء مجزرة قانا الأولى تقول اليافطة الحديدية المنصوبة: «بناءً على تعليمات سمو أمير دولة قطر وبتمويل منه، يتم إعادة بناء مجمع شهداء قانا الذي تهدم جراء عدوان تموز 2006». لكن اليافطة لا تقول إن بناء مجمع الشهداء الذي يرتفع فوق قبورهم ويضم حسينية للنساء وقاعة لمجالس العزاء، استدعى قيام القائمين على ورشة الأشغال بنزع شواهد القبور التي تحمل أسماء الشهداء وركنها جانباً ريثما ينجز البناء، فيما انتشر عمال، مضطرون لأن يدوسوا في كل مكان، لا فرق بين ضريح أو ممر، وذلك لضرورات العمل.
فمنذ أكثر من شهرين تحولت روضة الشهداء إلى مخزن لمواد البناء وممر للعمال. وبدءاً من الآن وحتى شهرين على أقل تقدير، ستفقد قانا أحد أهم معالمها الذي تعرف به رابضاً على شارعها الرئيسي منذ 13 سنة، ما جعلها محطة ثابتة في برنامج زيارة مختلف الوفود والشخصيات المحلية والعالمية التي تزور الجنوب. هكذا، لن يتمكن زوار المقبرة الكثر من العثور على قبور الشهداء المئة والثمانية التي يقصدونها من بقاع الأرض لوضع أكاليل الزهر والتقاط الصور وبث الخطابات أمام الكاميرات، وبات عليهم الاكتفاء بوضع الزهر على نصب الشهداء الذي يحمل أسماءهم. كما لن يتمكن محمود بلحص (18 عاماً) حتى ذلك الحين من البكاء على قبور والدته وإخوته التسعة الشهداء الذين قضوا في مجزرة قانا الأولى ووالده سعد الله الذي اختار أن يدفن إلى جانبهم في أواخر حزيران الفائت بدلاً من مقبرة بلدته صديقين.
ويؤكد محمود أن لجنة تخليد شهداء المجزرة التي يرأسها النائب عبد المجيد صالح، إضافة إلى رندة بري راعية المشروع، كانوا قد «أخبروا أهالي الشهداء قبل المباشرة بالعمل ميدانياً، وأبدى هؤلاء موافقتهم على أن تنزع الشواهد، ويسمح للعمال والمهندسين والعامة بالتجول بين الأضرحة حتى إنجاز البناء. وعند ذلك الحين، تسيّج القبور التي من المقرر أن تستعيد شواهدها، بألواح من الزجاج. عندئذ تتحول الروضة إلى مبنى مؤلف من طابقين، المدفن في الأول، والحسينية والقاعة في العلوي حيث من المقرر إقامة مجالس العزاء واستذكار الشهداء». وبالرغم من موافقة الأهالي، إلا أنهم، ومنهم محمود، يتحسرون على أحوال روضة الشهداء حتى إنجاز الأشغال، ويتمنون لو أن القاعة بنيت في مكان مجاور آخر وبقي للشهداء سلامهم في مرقدهم. «بت لا أعرف أين قبور أهلي وإخوتي. لعلي أدوس عليهم من دون علمي» يقول محمود الذي سرقت منه الورشة «فرصة إضاءة شمعة والغفو بسلام فوق حضن أمي وأهلي الشهداء بعدما سرقهم الموت مني»، فيما نجا هو من المجزرة بعدما أصيب بجروح بالغة، ما إن يهيأ له أنها اندملت حتى يعاد فتحها، بشكل أو بآخر.