ليس مألوفاً أن يجتمع رجال الأمن وطلاب الجامعات في مكان واحد. لكن الوضع السياسي والأمني جعل طلاب الجامعة اللبنانية يلقون التحية على الأمنيين، قبل النظر في مواعيد محاضراتهم. تتشابك واجبات الطلاب مع واجبات الأمن، وتولد أزمات خارجة عن السيطرة
أحمد محسن
يعود حسن الحاج حسن، الطالب في كلية إدارة الأعمال ــ الفرع الأول، في يوم شتوي إلى سكن الطلاب في الحدث. يرافق حسن أحد الأصدقاء الذي يوصله بسيارته كي ينقذه من رشح محتمل. يطلب حسن من رجل الأمن الاحتفاظ ببطاقة هوية صديقه، ريثما يوصله إلى مسكنه القابع في آخر المجمع الجامعي. يرفض الشرطي على غير عادة، فيوافق حسن بطيبة خاطر، ويمضي تحت المطر. لكن ضحكة رجل الأمن الساخرة تستفزّه كما يقول، فيحصل صراخ ووعيد متبادل ينتهي بضرب حسن للشرطي، ولا ينتهي العراك، إلّا بعد وساطة تقوم بها جهة سياسية نافذة في المنطقة.
ولكون مجّمع الحدث واسعاً، لم تجد الجامعة اللبنانية سبيلاً للحفاظ على الأمن، سوى الاستعانة بقوى الأمن للتدقيق في بطاقات الهوية، كما حصل مع حسن. ويحصل في حالات أخرى أن يتدخل الأمنيون لفض «المعارك السياسية». فعلى مدى الأعوام الماضية، دخلت العناصر الأمنية إلى حرم الجامعة، أكثر من مرة، كانت أقساها في العام الماضي، حين اقتحمت إحدى وحدات «الفهود» الساحة الفاصلة بين كليتي الحقوق والعلوم، حيث كان مفترضاً أن توقف مفتعلي الإشكالات، بدلاً من ضرب الطلاب بأعقاب البنادق. ولا يزال أحد هؤلاء يعاني رضوضاً في كتفه اليسرى، بعد حصوله على نصيبه، من رشاش آلي متطور.
في كلية الإعلام ـــ الفرع الأول، يبالغ الطلاب في تعداد تحفظاتهم. فمحمد شاهين يروي كيف حصل خلاف بينه وبين أحد العناصر، على خلفية أفضلية المرور بالسيارات، أمام بوابة الكلية. يؤكد محمد أن العنصر الأمني، كان بلباسه الرسمي، وطلب منه أوراق سيارته «سلبطة». استجاب محمد، كما قال، لطلب العنصر «الذي وجّه إليه كلاماً بذيئاً وقاسياً»، ما أجبره على سحب الأوراق منه، لكونه لم يرتكب أي مخالفة، ولكونه اعتقد أن صفة رجل الأمن الرسمية، لا تخوّله البحث في أوراقه حينذاك. لا يتوقف الإشكال عند هذا الحد بل يتلاسن محمد وزملاؤه مع رجل الأمن الافتراضي، حتى تلك اللحظة. لكن الأخير أكد هويته الأمنية، عندما حضرت 3 سيارات تابعة لقوى الأمن الداخلي. حاولت الدورية اعتقال أحد الشبّان ويدعى أحمد، بعد وقوع مشادة كبيرة مكتنزة بالشتائم، وتجمهر عدد كبير من الطلاب «الرافضين لاعتقال زميلهم»، ولم تستطع الدورية اعتقاله، إلّا بعد حضور بعض رجال قوى الأمن، المحسوبين على تنظيم سياسي له حضوره القوي في الجامعة. وما لبث أن عاد بعد نصف ساعة، وسط شبه مهرجان أقامه الزملاء، احتفالاً بعودته. هذه ليست المشكلة الوحيدة التي يعانيها الطلاب مع رجال الأمن، رغم ما يصفونها بالـ«العلاقة الطيبة» مع حرس الجامعة الأساسيّين، الذين يتبعون قوى الأمن الداخلي. «الحساسية تقع دائماً مع الدوريات الطارئة»، يقول أحد الطلاب ويذكر بواقعة، اقتحام دورية من فصيلة الرملة البيضاء حرم الكلية في الثالثة صباحاً من دون مذكرة تفتيش. كان الطلاب يحرسون بعض الأدوات الصوتية، التي استعملوها في مهرجان جامعي، على أساس أنهم سيردّونها في اليوم التالي. «كيف جاء الدرك لا نعلم» يقول علي جبيلي، مستغرباً اتهامه والزملاء بتهريب السلاح. رفض الطلاب تفتيش كليتهم. وكالعادة، بعد اتصال مع تنظيم سياسي نافذ، سوّيت الأمور. لكن أحد الشبّان الذي رفض ذكر اسمه صاح بالدورية «انزعوا كاميرا وزارة التربية المسّلطة على كلّيتنا». وبعدما تحققت «الأخبار»، لاحظت وجود الكاميرا بطريقة واضحة، لمن يريد البحث عنها، في الغرفة المواجهة لكلية الإعلام والتوثيق.


الدور «السياسي» للأمنيين

في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـــ الفرع الأول في الجامعة اللبنانية، تحصل مناوشات بين الحين والآخر بين طلاب الكلية والمخبرين أو «البخّاخين» كما يسميهم الطلاب. تستغرب رانيا الخروف سؤالنا عن كيفية معرفة رجال الأمن هؤلاء «فهم ببساطة يندسّون في الكافيتريا ويتظاهرون بقراءة الصحف»، تقول ساخرة. لكن زميلها في الكلية علاء نور الدين يذهب إلى أبعد من ذلك، فيأسف لحال الأمن في الجامعات، ويرى «أن ثقتنا برجال الأمن تبددت بسبب زوال الدور السابق لهذه القوى الأمنية، باكتشاف الشبكات الخارجة عن القانون، والمتعلقة بالمخدرات والدعارة، على حساب دور جديد، مفّصل «على مقاسات الأحجام السياسية في البلد وحصتها من المؤسسة الأمنية».