سناء الخوريقد نتجاهل سبب موتهم ونَعُدّهم كما نعدّ القتلى. أي إنّهم أرقام جديدة، مئات تضاف إلى أخرى. هذه أيضاً تسمية سياسية واردة.
نختلف على اسم الموت إذاً. إنّها قضيّة عظيمة فعلاً. قضيّة سياسية مهمّة، فذّة، رائدة، مبتكرة. انظروا كم نحن أحياء: نتفنّن في تسمية الموت. هو يفعل فعلته، يُزهق أرواحاً تحت الأنقاض والصواريخ، ونحن نعتصر كلّ تحليلاتنا وقواميسنا لنجد له اسماً يليق بـ«ستايل» كهذا.
كم نحن أذكياء. نرى أبعد من الموت، فنكون تبعاً لزاوية الرؤيا وطنيّين ومتعاطفين أو مترفّعين واقعيين نُمَنطِقُ الموت ببرودة و«نحلّل». انظروا كيف نسمّي أنفسنا بحسب التسمية التي نطلقها على الموت. أهو الموت الذي يسمّينا إذاً؟
مات كثيرون. شخص وشخص وشخص... فلنعدّهم، هكذا، قبل أن ننام كما تعلّمنا عدّ الخراف صغاراً. هذا شخصٌ يموت، وهذا الثاني والثالث والرابع ثمّ نغرق في سبات عميق. لن نجد بين الرؤوس المسحوقة تحت الباطون، وبين الدماء الممزوجة بالركام، أي شخصية نعدها.
لو ماتت بينهم شخصية عربية منفتحة، معتدلة، «مجتمع دوليّة» حينها كنا سنعرف اسم الموت. كنا سمّيناه بالإجماع، اغتيالاً وجريمةً. حينها لن نحلّله كثيراً. سنعطيه كل الصفات المقرفة التي تليق بـ«ستايل» كهذا. هل كان بين من ماتوا في غزّة من مات وهو نائم؟ عندما كانوا ينامون قبل الموت بمَ كانوا يحلمون؟ برغيف خبز، بقارورة غاز، بلمبة مضاءة، أم بمعبرٍ مفتوح؟ ربما كانت هذه الأحلام الكبيرة تؤرّقهم، فلا ينامون. هل كانوا يعرفون طريقة عدّ الخراف؟
لا اسم لموت من ماتوا في غزّة. أمّا «ستايله» فمعروفٌ. إنّه الموت على الطريقة الإسرائيليّة. فلنسمّه «الموت الإسرائيلي» إذاً. أمّا «الشخصيّات» فقد وجدت للموت نعوتاً أخرى، فهي تعرف أصول اللياقة وتخشى إزعاج أحد بتسميات «وقحة».