شادي كوسىالانبعاث على صفيح أخضر قد لا يعني بالضرورة تخلص الأشياء من عقدة اللون الأحمر التي أسست لها مراحل صعبة من تاريخ حافل بالضحايا التي تراقص الموت. كذلك حال التجوال على درجات السلّم الموسيقي، قد لا تمثّل مخرجاً خلاصياً للتفلت من زعيق اقتتال الآلهة على حفنة من التاريخ.
لكن الميثولوجيا أبت إلا أن تقول كلمتها في الراهن المعيش، فكانت تلك الهارموني التي أسست لفكرة جديدة من ظل وماء... فكرة قد لا تكون سوريالية في كل تقليعاتها، لكن الأكيد أنها أسست لانتقال الضوء من طاقة إلى جملة موسيقية وشعرية رفدت، بالشدة الكافية، مسيرة الهجرة الحتمية من الواقع إلى الأسطورة.
الاعتقاد بفكرة، أية فكرة كانت، ضرب من الارتحال نحو حافة الإيمان الذي قد لا يحتكره الله بالضرورة، فكيف إذا كان من يعتقد هذه الفكرة حساساً إلى الحد الذي قد لا يجعل الماء أصفى الكائنات ولا أقلها مقاومة للألم.
فإذا كان في الدين استسهال وركون إلى أجوبة جاهزة ومصائر محددة، فإن الإيمان بفكرة معينة والانتماء إلى فضاء معين، قد يبعث على انعدام الوزن لفرط الابتعاد عن الواقع والاقتراب نحو السماء.
مارسيل، ذلك القابض على جمر الأوتار، اختار الارتفاع إلى الدرك الأعلى الذي ترقد فيه أحلام الشعوب أنى كانت ولو فارقت أقدامه الأرض لمرات، ولكن الالتصاق بالعدالة والمساواة والمقاومة قد يجعلك عدواً لآلة القتل الجماعي التي لا مكان فيها لانبعاث لحن أو لرحيق كلمة.
الناظر إلى تلك الأجمة الكثيفة قد لا يمتلك الشجاعة الكافية التي امتلكها مارسيل ليعكر صمت هذا السكون القابع داخلها. لكن حطاب الموسيقى هذا انتزع عوده وخرج به إلى شمس الصباح لعله يضيء على الظلم والقهر ليشع بموسيقى ولو كانت مسروقة من قاموس الماء.