الأنوار التي أضاءت قصر عدل بيروت أخيراً لم تنعكس طمأنينة في نفوس معظم رؤساء أقلام المحاكم. فمعظم هؤلاء يعملون «بالتكليف» منذ سنوات طويلة، إلى أن قرر وزير العدل إجراء مباراة لتثبيتهم، «ينافسنا فيها القريب والبعيد»
حسن عليق
في العملية القضائية جنود مجهولون لا ترد أسماؤهم إلا لماماً. لكن دخول قصور العدل يسمح بالتعرف إلى محورية دورهم، وبالاستنتاج سريعاً أن القضاء لا يمكن أن يسير من دونهم. هم المعاونون القضائيون، أو من يعرفون برؤساء الأقلام ورؤساء الكتبة والكتبة والمباشرين. يُعدّ هؤلاء أرضية معظم العمليات الإدارية المتعلقة بالتقاضي، بدءاً من تسجيل ادعاءات المواطنين، ثم معاونة المدّعين العامين وقضاة التحقيق وقضاة الحكم، وصولاً إلى تنفيذ قسم كبير من الأحكام، ما عدا السَّجن. وفي الحالة الأخيرة أيضاً، لا يمكن من يريد زيارة السجناء إلا المرور عبر الموظفين المذكورين.
منذ عام 1995، لم يُعيّن أي رئيس قلم أصيل في المحاكم اللبنانية. وبسبب الشغور والاستقالة، كُلِّف نحو 90 موظفاً بالعمل في مراكز رؤساء الأقلام، ومضى على تكليف البعض أكثر من 10 سنوات.
رؤساء الأقلام المكلّفون باتوا اليوم مهجوسين بمشروع المباراة التي يعدّها لهم وزير العدل. بعضهم يرفض الفكرة من أساسها، ووصل الأمر بأحدهم إلى حد القول إنه لن يخضع لأي مباراة، وإذا فُرضت عليه فسيستقيل. أما البعض الآخر، فيطلب أن تكون المباراة محصورة، «إذا أرادت الوزارة أن تتبيّن الصالح من غير الصالح للعمل في هذه المراكز».
المدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور قال لـ«الأخبار» إن القضية لا تتعلّق فقط بتعيين رؤساء الأقلام. فملء الشواغر في ملاك وزارة العدل يحتاج إلى أكثر من ألف وظيفة. وبناءً على ذلك، أجازت الحكومة قبل نحو شهرين لوزارة العدل إجراء مباريات لتوظيف نحو 700 شخص، بينهم رؤساء أقلام وكتبة ومباشرون. وأشار الناطور إلى أن الميل هو أن تتضمن شروط التقدم لمباراة توظيف رؤساء أقلام حيازة المتباري شهادة جامعية. وقال الناطور إن مجلس الخدمة المدنية رأى ضرورة أن تكون المباراة مفتوحة، مضيفاً أن وزارة العدل تبحث في إمكان أن تُحتَسَب نقاط إضافية على نتيجة المباراة لرؤساء الأقلام المكلّفين، بحسب سنوات خدمتهم. وأكّد الناطور أن المباراة ستنجَز قبل الانتخابات النيابية.
من ناحية أخرى، تلوح في الأفق بارقة أمل لرؤساء الأقلام المكلّفين، إذ تقدّم النائب نوّار الساحلي أمس بمشروع قانون لتثبيت رؤساء الأقلام ورؤساء الدوائر (فئة ثالثة) في الوظائف التي كلّفوا بالعمل فيها، على أن يكون قد مضت على التكليف 3 سنوات على الأقل.
ووقّع اقتراح القانون النواب بهيج طبارة وعلي حسن خليل وإبراهيم كنعان، فيما أبدى عدد آخر من النواب (سواء من 14 أو 8 آذار) استعدادهم لدعم الاقتراح.
وتجدر الإشارة إلى أن قانوناً مماثلاً كان قد صدر عام 1995 (عندما كان طبارة وزيراً للعدل)، لكن من دون تحديد زمن معين لصدور قرار التكليف، فاستفاد منه 28 رئيس قلم مكلّف، بينهم من لم يكن قد مضى على تاريخ تكليفه أكثر من 20 يوماً.
رؤساء الأقلام الذين التقتهم «الأخبار» لا يعارضون مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، لكن معظمهم يقول إنه لا يرى أي أثر لوزارة العدل «عندما يدلف الماء على رؤوسنا من سقوف المكاتب وقاعات المحاكم. وعند أول إطلالة لها علينا، أتت بالقريب والبعيد لمنافستنا على مراكز عملنا».