لطيفة بوسعدن *أعلن المغرب عن رفع تحفظاته بشأن الاتفاقية الدولية «سيداو»، للقضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء، وهي التحفظات التي سجلها سنة 1993 عندما صادق على الاتفاقية، أو تحديداً على بعض مضامينها.
ولأن مجال تغيير كل ما له صلة بوضعية المغربيات أو تعديله، يظل مجالاً من اختصاص الملك بوصفه أميراً للمؤمنين، فقد أعلن هذا الأخير في رسالة بعث بها إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بمناسبة الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، عن رفع المغرب تحفظاته تجاه الاتفاقية. فما الذي حدث لكي تتجه السلطات نحو تلبية أحد مطالب الحركة النسائية العالقة وتسقط تحفظاتها؟ وكيف استقبلت النخب النسائية المبادرة الملكية؟ ولماذا ما زالت أصواتها مرتفعة تنادي بالمزيد من المطالب؟
تكاد العلمانيات والإسلاميات أن يلتففن حول ما تحقق من مكتسبات تهمّ المرأة، وهي مكتسبات تحققت في مجملها في عهد الملك محمد السادس، إذ كان الارتياح هو السمة التي طبعت تلقي الفعاليات للمبادرة الملكية. ومع ذلك، لم يكن رفع التحفظات في حد ذاته، الحدث ـــــ المفاجأة، فقد كان من المنتظر حدوث ذلك بالنظر أولاً إلى قوة التحركات النسائية المطالبة بتبني الدولة للاتفاقية في مجملها، وثانياً لأن تشريعات وطنية جديدة أشارت منذ سنوات قليلة إلى وجود إرادة لرفع التحفظات، وأقصد مدونة الأسرة التي لقيت دعماً كاملاً من طرف الملك، إن لم نقل إن المدونة كانت تدبيراً ملكياً بامتياز. يضاف إلى ذلك، تعديل قانون الجنسية سنة 2006، حيث غدت المغربيات بموجبه قادرات على منح الجنسية المغربية لأبنائهن من زيجات أجنبية، هذا إضافة لما تعتبره الهيئات النسائية مكسباً لهن في عهد الملك محمد السادس، كتبنّي الحكومة استراتيجية وطنية مناهضة للعنف ضد النساء، وهي الآن بصدد البحث في إمكان إصدار مشروع قانون يجرّم العنف... إلى جانب إدماجها مقاربة النوع في الميزانية العامة.
ومع ذلك، ربطت الفعاليات النسائية استقبالها خبر رفع التحفظات بما تعتبره مطالبَ عالقة لها، وخاصة عندما يتعلق بالبعد السياسي لهذه المطالب، أي مسألة رفع سقف التمثيلية السياسية للمرأة. فالمرحلة هي مرحلة استحقاقات انتخابية ترتبط بالانتخابات الجماعية (البلدية)، والحركات النسائية ترغب في تحويلها إلى ربح سياسي عجزت عن تحقيقه خلال الانتخابات التشريعية السابقة، عندما لم تستجب الجهات المعنية لمطلب «ثلث المقاعد في أفق المناصفة»، وظلت نسبة «الكوتا» في مكانها دون أن تصل إلى الـ20% المأمولة.
والواقع أنه إذا كان التمثيل السياسي للنساء يسجّل حضوراً ضعيفاً على مستوى البرلمان رغم تخصيص الكوتا، فإن وضع النساء كمستشارات جماعيات ليس بأحسن حال، إذ تعكس التجربة الجماعية الحالية التي ستنتهي في حزيران / يونيو المقبل، غياباً ملحوظاً للمرأة؛ فمن أصل أربعة وعشرين ألف منتخب جماعي (أي أعضاء مجالس بلدية)، مثّلت المنتخبات 127 امرأة فقط أي بنسبة 0,5%، فيما تمكنت امرأتان فقط من ترؤس جماعة قروية وحضرية (أي المجلس نفسه).
وهذا الوضع هو ما تنتقده النخب النسائية وتأمل تغييره في الاستحقاقات الجماعية المقبلة، من خلال الدفع باتجاه إدخال تعديلات على القانون المنظم للجماعات.
لا يمكن تغيير العادة المجتمعية بمجرد إصدار نصوص وتعديل القوانين، رغم أهمية النص القانوني بالنسبة للحالة التي نتحدث عنها، إلا أن الأمر يتطلب مهارة سياسية واجتماعية خاصة، تذيب تلك الصورة النمطية السائدة عن المرأة… ألم تثر مدونة الأسرة الجديدة جدلاً قوياً وتخوفات كبيرة لدى جزء كبير من المجتمع، رغم الإطار الديني الذي صيغت فيه، ورغم أنها ولدت في نطاق توافقات سياسية أطرافها الإسلاميون والعلمانيون والملك... فإن تفعيلها أثبت أن القانون وحده لا يؤثر في العقليات. ما زال زواج القاصرات يحتل مكانه، وما زال تعدد الزوجات مستمراً، ولم يستطع النص القانوني الجديد أن يشجع النساء على تدوين اقتسام الممتلكات المكتسبة خلال الحياة الزوجية في وثيقة ملحقة بعقد النكاح، كما لم يفلح التنصيص داخل قانون الأحزاب السياسية على ضرورة تخصيص الأحزاب لنسبة معينة للترشيحات النسائية، في زحزحة النمط الذكوري للقيادة الحزبية.
كذلك، فإنّ رفع التحفظات على المواد 2ــــ 9ــــ 15 ــــ16 من اتفاقية السيداو، وهي مواد نصت في مجملها على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في القوانين، ومنحت النساء حقاً متساوياً للرجال في اكتساب جنسيتهن أو الاحتفاظ بها أو تغييرها أو نقلها إلى أطفالهن، وأعطتهن الحقوق المدنية نفسها وعلى رأسها عقد الزواج... لم يكن ذلك ممكناً لولا أن هذه المواد غدت متجاوزة من طرف التشريع الداخلي، ولم تعد تمثّل في جوهرها معطى للخصوصية أو للحفاظ على الهوية كما قيل (الرؤية المحافظة). فموضوعة المرأة، منذ التسعينيات، بدأت تنفلت نسبياً من مراقبة هذا المعطى دون أن تحقق تحولاً نوعياً يجعلها في قلب الحداثة أو التحديث (الرؤية العلمانية)... وهذا ما يحيلها بسهولة كي تصبح إحدى استراتيجيات الحكم في ضبط التوازنات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع، لا سيما أن الجميع يعرف الحساسية المشحونة بالانفعال والرمزية لكل تدبير يمس وضع النساء.
فالمسألة ليست مجرد إصدار قوانين أو رفع تحفظات، بل هي رهان متعدد الأطراف: نخب نسائية تلعب دور الضاغط أو تقدم نفسها كذلك، نسق سياسي يراقب معالم اللعبة ويحددها، ويستقطب الطلبات دون أن يستجيب لها كلها، أو يحولها في أقصى الحدود إلى مِنحٍ للنظام... ثم جهات متعددة تقدم نفسها صائناً للثوابت الثقافية للمجتمع: فما زالت الناخبات يرجحن كفة المرشح على المرشحة خلال عمليات التصويت، وأكدت «مؤسسات» دينية كالمجلس الأعلى للعلماء في تعقيبها على المبادرة الملكية الأخيرة، أن رفع التحفظات لن يُربط بالثوابت الدينية للمغرب... في الوقت الذي تسير فيه فعاليات نسائية نحو بلورة مطالب واضحة لمسألة المساواة في الإرث بين الجنسين.
وسط هذا المخاض، تبدو وضعية المرأة خارج الرهانات المطلبية وقريبة جداً من رهانات الحكم التي يظهر نفسه دوماً، عندما يتعلق الأمر بالمرأة، ماسكاً بالعصا من وسطها، لأن النساء أو تحديداً الجمعيات النسائية المطلبية، وكما قال أحد الباحثين، تمثّل فئة مشاغبة يجب الحذر منها. ومن هنا لعبة الاستجابة لبعض المطالب عبر تعديل التشريعات، حيث تبدو السلطة مانحة والجمعيات المبلورة للمطالب مقترحة في أضعف الحدود... ويظل الملك صاحب المبادرة بعدما أثبتت تجربة الصراع العلماني ـــــ الإسلامي بشأن مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية أن المسألة النسائية يمكن أن تقسم الشارع إلى قسمين.

* صحافية مغربية