فاتن الحاجيجلس أبو علي رضا (38 عاماً) أمام طاولة منفردة في أحد مطاعم الشياح. يسرق الرجل دقائق لتناول سندويش «الهامبرغر» بانتظار أن يحين دوره لتوصيل «الطلبية» إلى الزبون. دقائق نادرة لعامل «الديليفري» هذا خلال دوامه الذي يبدأ الواحدة ظهراً وينتهي الواحدة ليلاً. فبغياب الراتب الشهري، لا خيار أمام «أبو علي» سوى اقتناص كل لحظة لإعالة أولاده الثلاثة. يقول بتأثر «أجر الساعة لا يتجاوز ألفي ليرة والبقشيش متواضع جداً في هذه المنطقة». ومع ذلك «أنا قانوني مئة بالمئة»، يسارع الرجل إلى التأكيد، شارحاً أنّه برغم أن رب العمل لا يدفع له بدل وقود وتصليحات، إلا أن «دراجتي مسجّلة في النافعة وتخضع للمعاينة الميكانيكية وفي حوزتي رخصة سوق وطاسة اعتمرها دائماً». يصل في هذه الأثناء الشاب محمود صالح، زميل «أبو علي»، الذي يبدو لعمره، أكثر مناسبة للمهنة. «تعال عم يحكوا عن الموتوسيكلات» يدعوه الرجل.
يتردد الشاب في الاقتراب، ويبدو أنه بوغت. يسأل متخوفاً «شو في؟». يخبره أبو علي، فيرتاح ويعلق «خراب بيوت شو بدي قول؟». لا يمانع محمود في تسجيل دراجته «بس ما بدّي طلّع دفتر، ما في مصاري». يتفق الرجلان على أنّ الحملة «لازم تكون على الزعران الشبيحة الذين يشفطون ويسرقون النساء وليس على المعترين أمثالنا». يسأل محمود: «لو في بديل كان أبو علي بيشتغل هالشغلة بها العمر؟». ليس بعيداً عن مكان عمل «أبو علي» ومحمود، يعمل محمد غنّوم وعماد معين 12 ساعة في اليوم براتب شهري لا يتجاوز 600 ألف ليرة لبنانية، و..يوم عطلة في الشهر! يشرح الشابان كيف أنّ «صاحب المطعم نظر في وضعنا وسمح لنا بالعمل بدون رخصة سوق أو تسجيل الموتوسيكل». يضيف محمد «يفرض المعلّم علينا ألا نسرع بالقيادة وألا نقود بين السيارات». يقولها وكأنه يمهد لتبرير عدم تقيده بما يطلبه القانون من رخص أو خوذة الخ. لكلفتها المادية الكبيرة بالنسبة له التي قد «تصل إلى مليون ليرة» على حد تعبيره. ويؤكد، كالمتمنّي فشل الحملة، وبعدوانية «إذا بلاقي عسكري بدّي حطّو واضربو».
وإن كان هؤلاء يراهنون على «أننا في الضاحية وهون ما في حواجز»، فإن آخرين يرون أن الحملة هي من باب التمييز ضدهم لأنها «لن تستطيع الدخول إلى الضاحية! هكذا، يعلّق مسؤول «الديليفري» في مطعم القلعة ـــــ شارع السادات «خلينا نشوف إذا بيسترجي أصلاً حدا يفوت على الضاحية». يستغرب المسؤول الذي رفض البوح باسمه كيف «أنّ الناس تموت في غزة وعنّا مش شاطرين إلا على الموتوسيكلات وسائقي التاكسي»! ومع أنك لا تفهم ما الصلة بين الأمرين، إلا أنك تستمع له يروي كيف حُجزت درّاجة أحمد الناصير، أحد العاملين السوريي الجنسية «بحجة أنّه لا يملك إقامة، علماً بأنّ لديه أوراقاً ثبوتية»!! ثم يتساءل: لمَ لا يعاد الترخيص بالعمل ليلاً للدراجات العائدة للمؤسسات السياحية التي تستعمل هذه الآليات لتسليم الطلبات، وخصوصاً أنّ الحملة ستمنع التجوّل بعد السادسة مساءً، كما ينص القانون.


ديليفري مرخص

فيما لا يطلب الكثير من المطاعم والمؤسسات أن تكون الدراجة مسجّلة، يرى آخرون أنّ الحملة لا تعنيهم لأن دراجاتهم قانونية. في مطعم بربر في الحمرا، مثلاً، يشدد مسؤول «الديليفري» يوسف عباس على أنّ «المطعم يزوّد العاملين بالموتوسيكلات ويسجلها ويدفع المعاينة الميكانيكية». لكن معظم الشباب الذين تجمعوا أمام المطعم لم يكونوا واثقين كمسؤولهم، وربما كان ذلك بسبب جهلهم بالحملة. يسألنا أحدهم: «هل ستطال الموتوسيكلات القانونية؟»، ويعلّق آخر: «يللا، قد تستمر يومين أو ثلاثة!». لا يخفي الشباب معاناتهم من راتبهم القليل ومصاريفهم الكثيرة، وخصوصاً أنّ الوقود هو على حسابهم، فبعضهم يسكن خارج بيروت. إلا أنّ ما يزعج هؤلاء هو «قرصنة البقشيش» التي يقوم بها أشخاص في «الأوتيلات» لأنهم «لا يسمحون لنا بالصعود إلى الغرف».