نضال حمدانتهت الأعمال الحربية العدوانية على قطاع غزة، لكن المعركة لم تنته بعد، سواء على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي أو على صعيد احتمال اندلاعها من جديد في أية لحظة. بعيد توقف القتال، سارعت فرنسا على لسان رئيسها نيكولا ساركوزي بإرسال فرقاطة حربية لمراقبة ساحل غزة منعاً لما سمته تهريب السلاح إلى القطاع. ثم عقد النظام المصري مؤتمراً في شرم الشيخ حضره رؤساء دول أوروبية وعربية ورئيس السلطة الفلسطينية. لم يكن مؤتمر شرم الشيخ سوى حلقة جديدة من حلقات الابتزاز والضغط على الفلسطينيين، ومناسبة للدول الأوروبية كي تؤكد مواقفها الجبانة والمعيبة والمهينة. تلك المواقف المؤيدة للصهاينة حتى وهم يرتكبون أبشع أصناف الجرائم ضد الإنسانية.
وبالرغم من استخدامهم في العدوان على غزة، كل ما تفتقت عنه العبقرية الفاشية الهمجية العسكرتارية في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والغرب عموماً، إلا أن ساركوزي وبرلوسكوني وميركل وغيرهم من المنافقين، أعلنوا إدانتهم لـ«حماس» وتأييدهم للصهاينة.
الصهاينة قتلوا وأحرقوا وجرحوا آلاف المدنيين الفلسطينيين، أكثر من نصف الإصابات في صفوف الأطفال والنساء. أما البنية التحتية فقد دمرت تماماً. كما أن الجنود الصهاينة المتسلحين بفتوى من أفيخاي رونتزكي كبير حاخامات الجيش الصهيوني تقضي بعدم الرحمة في الأعداء بغزة، فقد دمروا مناطق كاملة في القطاع المحاصر. وهنا لا بد من القول إنّ المواقف الأوروبية وإن لم تكن حادة مثل فتوى رونتزكي، إلا أنها التقت معها. إذ لا فرق بين من يقول لا ترحموا الأعداء وبين من يبرر للمجرمين جرائمهم بغض النظر عن الحجج والأسباب.
يقول البعض إنه لم يسمع إدانة واضحة وصريحة من الحكومات الأوروبية لمذابح غزة. هذا صحيح، وقد فهمت ذلك بعد حديث جرى بيني وبين سياسي أوروبي كبير بداية العدوان على غزة، حيث قال الأخير «إن حماس هي السبب وهي التي أرادت هذه المعركة وحضّرت لها».
عندما سمعت كلام هذا السياسي، تذكرت للتو تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية وأركانه الذين حمّلوا «حماس» مسؤولية الحرب. وفهمت أن الموقف الأوروبي له أساسه، وأن الأوروبيين لن يفعلوا شيئاً لمساعدة غزة وسوف ينتظرون نتائج الحرب التي كانت باعتقادهم ستقضي على المقاومة الفلسطينية في القطاع. لكن شاء صمود سكان غزة بالرغم من فداحة الخسائر في الأرواح والممتلكات، وكذلك استبسال المقاومين في الدفاع عن القطاع، أن يسقط حسابات الصهاينة والأوروبيين وكل المتآمرين.
وجاءت الهبات الجماهيرية التي اجتاحت العالم نصرة لشعب فلسطين ودعماً لصمود غزة والمقاومة فيها، وكذلك اقتراب موعد تسلم أوباما لمهماته، لتجبر الكيان الصهيوني على الانسحاب والتوقف عن إطلاق النار معلناً انتصاره وتحقيق كل أهدافه. لكن وبدون الدخول في معاني الانتصار والهزيمة، فإن مجرد انسحاب الاحتلال وإعلانه وقف إطلاق النار من جانب واحد، هو فشل للحملة الحربية الهمجية ولأهدافها السياسية. وهذا بحد ذاته يعني أن المقاومة الفلسطينية لم تُهزم في المعركة.
ولأن الصهاينة فشلوا، فقد جنّدت أوروبا نفسها للدفاع عنهم وتحقيق ما عجزوا عنه بالقوة عبر المشاريع السياسية. ووصل الأمر ذروته حين رفضت قناة «بي بي سي» بث نداء استغاثة لمساعدة غزة المنكوبة، ثم تبعتها قناة «سكاي». وتعاملت بعض وسائل الإعلام الأوروبية بانحياز مع ما جرى في غزة، ولم تكن تقدم الخبر بشكله الصحيح والمطلوب.
أما في النرويج، فقد تبرعت بعض الأبواق الصهيونية في مهاجمة كل من يدين الصهاينة ويعريهم ويكشف جرائمهم. فتطوعت الكاتبة النرويجية اليهودية مونا ليفين للقيام بهذا الدور. فحرضت على رئيس وزراء النرويج الأسبق كوري فيللوخ واتهمته بكراهية اليهود والحقد عليهم والعداء لهم. وأضافت أن معاداة السامية تزداد في النرويج. استخدام جديد لأسلحة قديمة. كما تعرض الأطباء النرويجيون الذين عادوا من غزة وعلى رأسهم البروفسور الشيوعي، مادس غيلبيرت، لحملة تحريض بغيضة ساهمت فيها حتى شبكة «سي أن أن». كذلك طالت الهجمة موقع «الصفصاف»، ومديره، كاتب هذه السطور، حيث شنت عليه هجمات إعلامية قام بها أنصار الصهاينة. وهدد هؤلاء بالعمل على إغلاق الموقع.
لم تتوقف الأمور عند النرويج، فها هو لوي ميشيل مفوض الاتحاد الأوروبي المكلف بالتعاون في مجال التنمية والمساعدة الإنسانية يعلن من على ركام مقر غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطين في غزة، الذي أحرقته قنابل الفوسفور الصهيونية المحرمة دولياً، أن «حماس» منظمة إرهابية ويستبعد الحوار معها. ويطالبها بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود.
إنها قمة الاستخفاف والاستعلاء والانحياز، فحين يطلب هذا المفوض من الضحية أن تضع رقبتها تحت سكين ناحرها، يصبح من ممارسي الابتزاز وتشجيع الإرهاب علانية.