strong>«اتقاء العار» أو الخوف من «جريمة شرف» أسباب تدفع فتاةً ما لرمي مولودها الذي «حملت به سفاحاً»، أو لقتله. مزيج من العبارات القاتلة ضحيتها أطفال حديثو الولادة، في مجتمع يرفض حتى اليوم تعديل القوانين الجائرة والمتخلفةطفلة رضيعة مرميّة على شاطئ البحر في منطقة الفيدار (جبيل). حبل السُّرّة لم يكن قد قُطِع بعد. حديثة الولادة إذاً. اقترب منها مَن شاهدَها فوجدها ميتة. أبلغ مخفر جبيل فأُرسِلت دورية إلى المكان. كانت جثة الطفلة بين الصخر والماء، وآثار «أسنان» الصخور لا تزال بادية على وجهها ورأسها. رجال الدرك رجّحوا أن يكون الموج قد تقاذفها إلى أن ماتت. في مكان يبعد نحو 100 متر، وجد المحققون كوخاً خشبياً. اقتربوا منه فسمعوا صوت أنين. خلعوا باب الكوخ المغلق ليجدوا سيدة مضرّجة بالدماء تصرخ من الألم. نقلت السيدة وجثة الطفلة إلى أحد المستشفيات. عولجت الأولى ووضعت تحت الحراسة الأمنية بناءً على إشارة القضاء. وخلال التحقيق مع السيدة، نفت أن تكون الطفلة المتوفاة ابنتها، لكن تقرير الطبيب والقابلة القانونية اللذين عاينا السيدة في المستشفى رجّحا أن يكون النزف الذي أصابها في الكوخ ناجماً عن الولادة. وقالت المشتبه فيها إنها كانت متزوجة وتطلّقت قبل نحو 3 سنوات من الحادث، وإنها مخطوبة لصاحب الكوخ الذي وُجدت فيه، من دون حصول أي علاقة جنسية بينهما. وأضافت أنها شاهدت رجلاً وامرأة قادِمَين من مكان العثور على الطفلة، مبررة النزف الذي تعرضت له بأنه ناتج من الدورة الشهرية.
لاحقاً، صدر قرار قضائي وجّه إلى المشتبه فيها تهمة «قتل وليدها الذي حبلت به سفاحاً، اتقاءً للعار»، وهي الجريمة المنصوص عليها في المادة 551 من قانون العقوبات، وتهمة مخالفة القرارات الإدارية، لأنها لم تكن تحمل أوراقاً ثبوتية.
وأمام محكمة الجنايات، نفت المتهمة أن تكون قد وضعت وليدة وقتلتها، فيما قالت وكيلتها القانونية إنها مصابة بالجنون، طالبة وضعها في مأوى احترازي، وتبرئتها لعدم وجود دليل.
محكمة الجنايات في جبل لبنان، الغرفة المؤلفة من القاضي الرئيس فيصل حيدر والمستشارين مارون أبو جودة وغسان معطي، لجأت إلى الدليل المخبري والتقارير الطبية. فحوصات الحمض النووي (DNA) أثبتت أن الطفلة المتوفاة هي ابنة المتهمة، بناءً على تطابق الفحوص بنسبة 99.9999 في المئة. أما تقرير الطبيب النفسي الذي عينته المحكمة فأظهر أن المتهمة مصابة بحالة من الفصام مع عوارض هلوسة. وبناءً على ذلك، رأت المحكمة إمكان منح المتهمة عذراً مخففاً، حاكمة بتجريمها بجناية المادة 551 من قانون العقوبات، معطوفة على المادة 251 منه، وحبسها مدة خمس سنوات وتخفيفها إلى 3 سنوات، فضلاً عن إدانتها بجنحة المادة 770 من قانون العقوبات (مخالفة الأنظمة الإدارية) وتغريمها مبلغ 100 الف ليرة سنداً لها.
القضية التي نظرت فيها المحكمة المذكورة هي واحدة من عشرات القضايا، ينتهي عدد منها بالعثور على الرضيع جثة في مكب للنفايات، كما جرى في بداية العام الجاري، عندما وجد عمال فرز النفايات في الكرنتينا جثة رضيع داخل علبة حديدية. بعضها الآخر يكون أكثر دموية، كأن يُعثَر على الرضيع مقتولاً، كما حصل في البسطا والعمروسية خلال العام الفائت. إلا أن بعض الأطفال الحديثي الولادة كانوا أوفر حظاً، بأن تُركوا أمام باب مأوى أو دير، ليتمكنوا من العيش من دون عائلة أو في عائلة بديلة. يحصل كل ذلك «اتقاءً للعار» الذي لا يزال القانون اللبناني يمنح الأسباب التخفيفية باسمه.
(الأخبار)