سامي الجوادمع اقتراب موعد الانتخابات النيابية غير المؤكد حصولها، تزدحم الأخبار والتحليلات السياسية إلى جانب التسريبات، وربما التخيلات، وما سواها من مصادر تفيد أو تلهم البعض في مادته الإخبارية. فخلال الأسبوعين الماضيين ورد في بعض الصحف ومنها «الأخبار» مقاربة لموقف الرئيس كامل الأسعد ودوره في الانتخابات المقبلة، حتى أن البعض قد تطرق إلى الحديث عن حصة الرئيس الأسعد فيها. للأسف، فإن البعض ذاكرته قصيرة، والبعض الآخر معرفته كذلك، فتجري مقاربة الأمور أحياناً بشيء من السطحية وبتحليل بعيد عن الواقع، الأمر الذي من شأنه أن يسيء إلى الأشخاص حيناً وإلى الحقيقة في أغلب الأحيان.
لذلك رأينا أن الإضاءة السريعة على بعض المراحل والمواقف التي اتخذها الرئيس الأسعد، من شأنها أن تمثّل أساساً يمكن البناء عليه في قراءة موقفه المرتقب واستشرافه من أي قضية مطروحة.
لم يكن الرئيس الأسعد من الساعين إلى الموقع أو الكسب السياسي غير المشروع من خلال مقعد نيابي أو وزاري أو حتى رئاسي. وقد ظهر ذلك في مختلف الحقبات التي كان فيها لاعباً سياسياً أساسياً. ففي العهد الشهابي الأول، لم يكن كامل الأسعد من ماسحي الجوخ للرئيس الأمير آنذاك، بالرغم من الاحترام الذي كان يكنّه للرئيس الراحل فؤاد شهاب، مع الأخذ بعين الاعتبار قوة شهاب على كل الأصعدة: شعبياً وعسكرياً ونيابياً، ولم يعرض ولم يقبل أي صفقة معه مقابل أي مكسب كان حتى رئاسة المجلس.
أما في العهد الشهابي الثاني فلم يكن الوضع أسهل على الرئيس الأسعد، حيث ضعف الرئيس الشهابي (شارل حلو) وقويت الشهابية بمكاتبها وأدواتها، ولم تدّخر جهداً لمحاربة الرئيس الأسعد انتخابياً وسياسياً، لكنه لم ينعطف يوماً ولم يذعن.
بعد الرئيس حلو انتُخب الرئيس فرنجية وكان الأسعد اللاعب الأبرز في معركة انتخابه، بل كان قائد تلك المعركة بامتياز. وكانت شخصيته، لا منصبه، هي المؤثر الأهم، حيث لم يكن حينها رئيساً للمجلس النيابي. في عهد الرئيس فرنجية وبسبب الحرب الأهلية والحرب العربية ـــ الإسرائيلية، كانت المعارضة للعهد هي أكبر مصدر للكسب السياسي والاستقطاب الجمهوري. لكن الرئيس الأسعد بقي إلى جانب الرئيس اللبناني الوحيد الذي انتخب حينها بإرادة لبنانية صرفة، دون الالتفات إلى مصلحته الشخصية في تحمل تبعات موقفه إلى جانب فرنجية، إلى أن رأى أن المصلحة تقضي بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فلم يتأخر بذلك، رغم ما يربطه بالرئيس فرنجية من محبة وصداقة.
في عام 1976، سار الرئيس الأسعد بانتخاب الياس سركيس الذي كان يحترمه كشخص ولكنه لم يكن مقتنعاً به كرئيس. حصل ذلك انسجاماً مع رغبة الرئيس الأسد عندما أبلغه أنه يفضل وصول سركيس على سواه في الظرف المتشنج محلياً وإقليمياً آنذاك.
أما الأزمة الأم، فكانت اختيار بشير الجميل رئيساً للبلاد، والتفاهم معه وإقناعه من جانب الرئيس الأسعد بالخطوط العريضة وطنياً وقومياً، ومن ثم تحمّل مسؤولية عقد الجلسة وتأمين النصاب، وذلك بعد جلسة مطوّلة مع الرئيس حافظ الأسد الذي زاره الأسعد بعدما رفض لقاء الخدام لأن للأمر أهمية. تلك الجلسة التي أقر فيها الأسد بصوابية موقف الأسعد دون أن يتبدد خوفه من الخطوة.
انتخب بشير الجميل ولم يستلم، وجاء عهد أمين الجميل الذي اختاره الرئيس الأسعد وندم عليه لاحقاً، لأنه سار به من منطلق عاطفي.
في عام 1983، كان اتفاق 17 أيار الذي نقضه الجميل بتوصية أميركية عبر روبيرت ماكفرلين. وبّخ الرئيس الأسعد ماكفرلين وعنّفه على خلفية تصريحات أدلى بها للصحف اللبنانية، وقاطع أمين الجميل ورئاسته. لم يشارك كامل الأسعد في اجتماعات الطائف، لعلمه بأن الاتفاق جاهز والمحادثات شكلية، وهو لا يرضى بأن يكون حيث لن يكون فاعلاً.
في أوائل التسعينيات، استقبل الرئيس الأسعد في باريس موفداً سورياً رفيع المستوى، حاملاً بيده مبادرة سورية لإنهاء القطيعة معه (أي الرئيس الأسعد)، وكان الرد يومئذ: «ألبي دعوة لزيارة دمشق ولا أطلب موعداً». عام 1992، واجه كامل الأسعد جميع القوى والعائلات السياسية في الجنوب مجتمعة، وإلى جانبها السلاح والتزوير، وانتزع منهم منفرداً، ثلث أصوات الجنوبيين.
في عام 1996، رفض كامل الأسعد عرضاً بالمحاصصة في الجنوب على قاعدة: أعطونا الإصلاح ولا نريد أية حصة.
أما في عام 2000، فلم يتراجع الرجل عن معركته التي كان يعرف نتائجها سلفاً كما سابقاتها، لكنه رأى أن الوقوف إلى جانب الحق هو النصر بعينه. كذلك في انتخابات 2005، حيث عزف عن الترشح لعدم توافر ظروف المعركة، لكنه بقي في موقعه وعلى موقفه.
بعد هذه المسيرة العابقة بالثبات والعنفوان، جاء عام 2008 وصرنا نقرأ هنا وهناك عن مقعد نيابي لمقربين من الرئيس الأسعد في هذه اللائحة وآخر في تلك. والأشد غرابة الحديث عن احتمال تقارب بين كامل الأسعد وما يمثل هذا الرجل من قيم ومبادئ، وبين أولئك الذين لم يمنحهم كامل الأسعد يوماً شرف الرد عليهم أو ذكر أسمائهم حين حاولوا التطاول عليه.
إن موقف الرئيس كامل الأسعد وموقعه، وما يمثله ومن يمثله، في أي زمان وحيال أي قضية، هو حيث تكون الكرامة والحرية ومصلحة الشعب والوطن، بعيداً عن أي اعتبار سياسي أو حزبي أو انتخابي أو مصلحة شخصية.