في وقت لا تزال فيه دروس «البارد» ماثلة، بدأت لجان المخيّمات الشعبيّة والأمنيّة حملة لتحصينها من حركة بعض المشبوهين، عبر ملء استمارة للمستأجرين الغرباء. بدأت الحملة منذ أسبوعين في مخيّم برج البراجنة
راجانا حمية
يعلو صوت إمام المسجد في جورة التراشحة في مخيّم برج البراجنة. لم يكن ذلك الصوت أذاناً، فالوقت كان أقرب إلى موعد النوم، والكلام كان أقرب إلى الإعلان. يتكرّر الصوت، فيصحو المتعبون من نومهم لاستطلاع أمر النداء. الكلّ بات خارجاً، فيما كان آدم العلي، الوافد الجديد من منطقة الرقّة السوريّة، يرقب الحركة التي بدأت تدبّ في حيّه بعينين يغلبهما النعاس، منصتاً. إنّه نداء لـ«الغرباء» القاطنين في المخيّم ومالكي غرفهم، يدعوهم للمثول أمام اللجنة الأمنية مساء اليوم التالي، للإدلاء ببعض المعلومات. لم يفهم العلي النداء جيّداً، وقضى ليله متأرجحاً بين الخوف والذعر، فهذا هو الأسبوع الأوّل في حياته الجديدة في المخيّم.
في اليوم التالي، غصّت غرف اللجنة الأمنية المشتركة بـ«غرباء» المخيم. بدا كأنّهم غرباء من بلدٍ واحد، وخصوصاً أنّ غالبيّتهم من السوريين. يحمل هؤلاء في أيديهم مستندات طلبها نداء الأمس: بطاقة الهويّة الشخصيّة، وورقة إيجار من المالك. لم تتّسع لهم الغرف الثلاث، فتجمّعوا في الخارج بانتظار مناداتهم بأسمائهم. كان العلي هناك في الباحة، فاستغلّ وجوده إلى جانب العسكري المرابط عند مدخل المقرّ لسؤاله عمّا تحويه هذه الاستمارة. أتاه الجواب من «أبو الموت» بأنّها «استمارة أمنيّة للتعرّف إلى الغرباء».
اقترب الوقت من الـ7 مساءً. نادى آمر القوّة الأمنيّة بالمناوبة فؤاد ضاهر المستأجرين في بيت سمير أبو حسّان. دخلوا سبعة، من بينهم العلي. كان الشباب يقطنون في غرفةٍ واحدة. فيما المالك لا يعرف منهم سوى «كبيرهم» وعددهم. يشير أبو حسان إلى «أنني عندما أجّرتهم الغرفة، سعّرتها على عدد الرؤوس» يقصد المستأجرين. بدأ كبيرهم بملء الاستمارة، التي قال لهم ضاهر إنّها "شكل من أشكال عقد الإيجار». كانت شبيهة بأيّة بطاقة هويّة، لولا بند مكان الإقامة السابق (..) وعقد الإيجار والعقد المصدّق من اللجنة الشعبيّة. يُضاف إلى كلّ ذلك، اسم صاحب المنزل الثلاثي وتوقيعه ورقم هاتفه.
بدا الغرباء مرتاحين لما يكتبونه عن أنفسهم في الاستمارة «الأمنيّة»، لا بل إن الطالب أحمد ربيع، الفلسطيني الهارب من نهر البارد للدراسة في بيروت، وجدها «مفيدة، تضبط الحركة في المخيّم، من خلال التدقيق في معلومات الآتين من الخارج». كلام ربيع، يؤكّده رفيقه في الدراسة عبد اللطيف بركة، فهذا الشاب، الذي عانى في البارد «بسبب الغرباء»، مستعدّ «لتسجيل أي شيء، شرط الحفاظ على الأمن».
لكن، ثمّة من أربكته الخطوة الجديدة. فبعض «الغرباء» يجد أنّ الأمر «كالتجسّس علينا». هذا الرجل، الذي رفض ذكر اسمه، لكونه «غريباً ومن دون سند»، يفكّر في ترك المخيّم، والاستئجار خارجه «ولو كان بسعرٍ أغلى».
لكن، ماذا عن مالكي الغرف؟ يستأنس هؤلاء بالقرار، الذي يجدون فيه «حماية لأهل البيت»، حسب فؤاد شاكر، أحد المالكين. يرتاح شاكر للاستمارة التي يرفض وصفها بـ«الأمنيّة» لكونها «مجرّد معلومات تطلعنا على عمل المستأجر وأصله وفصله». ويذهب محمد ياسين، وهو مالك آخر، إلى أبعد حين يقول «الاستمارة توفّر علينا اقتحامات الدولة اللبنانيّة، بحيث يجري تسليم المشاكس بسهولة عبر اللجنة إضافة لرفع أي مسؤولية عنا».
ينتهي «الغرباء» من تعبئة الاستمارة في ساعات الليل الأخيرة، فيبدأ عمل ضاهر، مسؤول الجبهة الشعبيّة في المخيّم، الذي كان مناوباً في اللجنة تلك الليلة. يفرز الاستمارات بحسب جنسيات أصحابها، تمهيداً للتدقيق فيها.
فكرة الاستمارة التي بدت «طارئة» على أبناء مخيّم البرج، كانت قد بدأت «مع ولادة اللجنة الأمنية المشتركة بين الفصائل في تشرين الثاني العام الماضي، وتحديداً بعد حرب البارد»، حسب ضاهر. لكن، ما بدأته اللجنة في البرج لم يمتد إلى كل المخيّمات أقلّه في الوقت الحالي، بانتظار تقدير مدى نجاح التجربة في البرج، أو «حاجة بعض المخيّمات إلى تمويل الحملة»، كما يلفت أمين سر اللجنة الشعبيّة في مخيم شاتيلا سليمان عبد الهادي. الذي يقدّر المبلغ اللازم بـ«6 آلاف دولار أميركي». لكن، هل فعلاً تحتاج هذه الحملة إلى هذا المبلغ؟ في مخيّم البرج، لم يبد الأمر كذلك، فأقصى تكلفة للحملة، كانت «مساعدة المستأجرين على ملء الاستمارات والاستعانة بالمساجد للنداء». ويعلق ضاهر «أنّ الحملة لا تكلّف إلا سلامة عبد الهادي!» كما يقول. وبدلاً من جمع 6 آلاف دولار للحملة، فليشترِ بها محوّلاً إضافياً للكهرباء مثلاً». ويبقى السؤال: هل تنتهي الحملة في مخيّم البرج، أم أنّ البرج هو مجرد بدايتها؟