طلبت أمانة سر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان توظيف عدد من المحققين الجنائيين ضمن فريق عملها، وذلك قبل أيام من توزيع التقرير النهائي للجنة التحقيق الدولية على أعضاء مجلس الأمن الدولي. رئيس اللجنة القاضي بلمار، الذي يتوقع أن يطلب تمديد تفويض لجنة التحقيق لشهرين إضافيين، يتعامل مع الملف بحذر شديد، فيما يلمّح مسؤولون أمميون إلى ضرورة استكمال التحقيق
عمر نشابة
التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ما زال غير مكتمل، رغم الضجّة التي أحدثها إعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون موعد انطلاق عمل المحكمة الدولية في مطلع آذار المقبل. إذ إن أمانة سر المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الحريري (مكتب المسجل) اتخذت قراراً بتوظيف 6 محققين جنائيين ومساعد واحد في جهاز التحقيق. وقد نُشر إعلان للراغبين بالترشح لنيل هذه الوظائف على العنوان الإلكتروني المستحدث للمحكمة الدولية الخاصة (www.stleb.org)، مع وصف للمسؤوليات المهنية التي ستترتّب على المحققين الجدد. وجاء في النصّ أن جزءاً من مسؤوليات المحققين الستة هو «التحقيق الشامل الذي سيتضمّن تطوير خيوطه وتحليل المعلومات وإجراء مقابلات مع شهود وتفحّص الأدلة الجنائية وتقديم توصيات بشأن استكمال التحقيق». كما يفترض أن يعملوا مع المحقق الرئيسي على «تطوير خطة تحقيق شاملة للتأكد من أن كلّ اتجاهات التحقيق قد تمّ التعامل معها كجزء من سيناريو معقّد». ويتابع النصّ أن كلاً من المحققين الجدد يفترض أن «يتأكد من أن كلّ الأدلة الجنائية الممكنة والمرتبطة قد تمّ جمعها وتأمينها، وأن كلّ الروابط بين الدلائل الجنائية اللازمة قد تمّ تحديدها».
مسؤول في الأمانة العامة للأمم المتحدة قال أمس لـ«الأخبار» إثر الاستفسار عن سبب توظيف 7 محققين في المحكمة بعد مرور نحو عامين ونصف على التحقيق الدولي والمحلي في القضية: «إن أمين سرّ المحكمة روبن فنسنت درس تفاصيل الملفّ جيداً. وفي هذا السياق تمّت استشارة مراجع قانونية واتخذ القرار المناسب»، ثم أضاف: «فنسنت يقدّر المستوى المهني الرفيع الذي يتميّز به بلمار وهو يتجاوب مع حاجاته».

مصادر حذر بلمار

التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الحريري كان قد انطلق في مطلع صيف 2005 بعدما أنشأ مجلس الأمن الدولي لجنة تحقيق دولية مستقلة. وتولى بدايةً القاضي الألماني دتليف ميليس رئاسة اللجنة. وكان هذا الأخير قد أعلن عبر الصحافة الألمانية أن التحقيقات التي أجراها حتى انتهاء عمله في كانون الأول 2005 كانت كافية لإحالة المسألة على المحاكمة. غير أن القاضي البلجيكي سيرج براميرتس الذي خلف ميليس في رئاسة لجنة التحقيق، والجهاز القانوني في الأمانة العامة للأمم المتحدة، وجدا أن تحقيقات ميليس غير كافية بحسب المعايير القانونية والمهنية الدولية. حضر براميرتس إلى بيروت، وكان أول أعمال التحقيق التي قام بها هو إعادة التدقيق بمسرح الجريمة، بعدما كان ميليس وفريقه قد اعتبروا أن استثمارها قد اكتمل. وتمكّن براميرتس من إحراز تقدم ملحوظ في تحديد هوية الشخص الذي يبدو أنه فجر نفسه بموكب الحريري يوم 14 شباط 2005. كما أحرز فريق براميرتس تقدماً في تحديد مصدر الآلية وأداة الجريمة وتحديد طبيعة العلاقات في ظلّ النظام الأمني الذي كان سائداً يوم وقوع الجريمة. وفي هذا الإطار وصف براميرتس في تقاريره إلى مجلس الأمن تعاون المسؤولين السوريين مع لجنة التحقيق بإيجابية لافتة، وخصوصاً بعدما كان ميليس قد شنّ حملة تحريض إعلامية على سوريا، متّهماً بعض القيادات السورية باغتيال الحريري، ناسفاً قرينة البراءة التي تشكّل حجر الزاوية في المحاكمات العادلة.
انتقل براميرتس إلى المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة واستبدل بالقاضي الكندي دانيال بلمار الذي عين أيضاً مدعياً دولياً، على أن ينطلق عمل بلمار بالصفة الأخيرة يوم انطلاق أعمال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. راجع بلمار سيرة التحقيقات التي أجرتها اللجنة والقضاء اللبناني، وسجّل ملاحظات دفعته إلى التصرّف بحذر شديد في هذا الملفّ الجنائي الدقيق والمتشعّب، ومنها:
أولاً، أخذ القاضي الكندي علماً بجميع الأشخاص الذين قاموا بالتحقيقات الجنائية في هذه القضية، ومنهم الفريق الذي عمل برئاسة ميليس، والذي تضمّن عدداً من العاملين في أجهزة استخبارات دولية، وفريق التحقيق اللاحق برحيل «جماعة ميليس» في مطلع 2006. كما أخذ علماً بالتغييرات اللافتة التي طرأت على التحقيق اللبناني، وانتقال المسؤولية من القاضي ميشال أبو عرّاج إلى القاضي الياس عيد ثم القاضي صقر صقر. إذ إن تبديل فرق التحقيق في قضية واحدة قد يؤدي، بحسب المعايير المهنية، إلى تسريب معلومات سرّية وإلى صعوبات في متابعة عدد من خيوط التحقيق. كما أن للتغييرات أسباباً يفترض أن تخلو من أي تدخلات لا تحددها المعايير القانونية والمهنية.
ثانياً، تبين للقاضي بلمار أن بعض الصعوبات التي عانى منها محققون في هذه القضية في جمع المعلومات لم تكن بسبب قيام البعض بإخفائها، بل لعدم توفر الآلية المناسبة لذلك. وبالمقابل لاحظ أن جزءاً من المعلومات التي جُمِعت سابقاً تحتاج إلى مزيد من التدقيق.
ثالثاً، تكوّنت لدى بلمار، وزميله فينسنت، فكرة شبه واضحة عن مخاطر أمنية ينبغي التنبه لها. ويدلّ على ذلك طلب مكتب تسجيل المحكمة توظيف 14 مسؤولاً أمنياً، بينهم خبير «محلّل للمخاطر الأمنية» و3 ضباط حماية عن قرب (Close Protection Officers) إضافة إلى مسؤول ميداني عن الأمن يقوّم المخاطر و«يدقّق في التقارير الأمنية»، بحسب ما ورد في الوصف الرسمي لمسؤولياته. كما ورد في النصّ «مراجعة دورية لخطط الطوارئ ومنها النقل والإجلاء والحماية وتوفّر الطائرات والزوارق البحرية والآليات اللازمة والطرق المناسبة للانسحاب من أماكن الخطر الأمني». ويفترض أن «يدقّق المسؤول الميداني عن الأمن في خلفيّة الموظفين» حيث تدعو الحاجة.