نيويورك ـ نزار عبودمن المتوقع أن يصل تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، القاضي دانيال بلمار، اليوم أو غداً إلى مجلس الأمن الدولي، بعدما تسلّمه الأمين العام للأمم المتحدة نهاية الأسبوع الماضي. لكن مجلس الأمن الذي ترأسه كرواتيا هذا الشهر لن يناقشه إلا بعد 15 كانون الأول الجاري، بحسب ما ذكرت مصادر دبلوماسية، مرجحة أن يتم ذلك في السادس عشر منه، باعتبار أن ولاية اللجنة مستمرة حتى نهاية العام.
تقرير بلمار سيتضمن طلباً بتمديد مهمة لجنة التحقيق لمدة شهرين أو أكثر، كما أكد تقرير تأسيس المحكمة الأخير، الذي قدمته وكيلة الأمين العام للشؤون القانونية باتريشيا أوبراين، الأسبوع الماضي. ومن المنتظر أن يطلع بلمار المجلس على مدى تقدم التحقيق. وسيبرر طلب التمديد بالحاجة إلى مزيد من الوقت لاستكمال بعض الأمور قبل إصدار القرار الظني (بعد مباشرته عمله مدّعياً عاماً مع انطلاق عمل المحكمة) سواء بحق بعض الموقوفين، أو بحق آخرين لم يتم توقيفهم بعد.
لكن مصادر دبلوماسية مطلعة كررت تأكيدها بصورة قاطعة لـ«الأخبار» أن لجنة التحقيق الدولية ما تزال تواجه المشكلة ذاتها منذ العام الماضي. فـ«التحقيق لم يتقدم بما يكفي لتقديم أدلة قاطعة تجعل بلمار قادراً على توجيه اتهامات». وبلمار يرفض أن يقدم «نتائج مسلوقة» قبل استنفاد كل الجهود من أجل الوصول إلى قرائن دامغة في هذا المجال، لكي لا يتعرض ادّعاؤه إلى الرفض من قاضٍ ما قبل المحاكمة.
وتوقعت تلك المصادر ألا يكون التمديد الذي ينتظر أن يطلبه بلمار لفترة شهرين أو أكثر، الأخير. بل قد تعقبه طلبات تمديد أخرى. والأمر يتوقف على سير التحقيق. إذ هناك «دول خليجية تحجم عن التعاون الصادق مع بلمار وتلجأ إلى المماطلة في تلبية طلباته لمقابلة شخصيات كبرى». بل إن تلك الدول تحاول، حسب نفس المصدر، «تضليل التحقيق أحياناً، أو تقديم معلومات متناقضة».
ومن جهة أخرى تنتظر بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وعلى رأسها روسيا والصين، أن يردّ بلمار على استفساراتها بشأن أسباب بقاء القادة الأمنيين الأربعة والمدنيين الثلاثة رهن التوقيف على خلفية القضية، من دون توجيه أي اتهامات لهم. وكان بلمار قد وعد عند مناقشة تقريره السابق الصيف الماضي بالتقدم بردود بعد مراجعة السلطات القضائية اللبنانية.
ومن المتوقع أن يستغرق النقاش في الموضوع المذكور وقتاً طويلاً من الجلسة، ولا سيما أن هناك دولاً ـــــــ على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا ـــــــ تريد استعجال بدء عمل المحكمة. إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة ليس مؤيداً لهذا الاستعجال، ولا يريد أن يفسد الإنجازات التي تحققت استجابةً لرغبات غير مبررة، بحسب المصادر ذاتها. وعبرت نائبة المندوب البريطاني كارين بيرس أمام المجلس في نهاية الأسبوع الماضي عن الرغبة في المضيّ قدماً بتأسيس المحكمة في هولندا وتشغيلها، حتى قبل اكتمال شرط أساسي في نظامها، وهو تأمين تمويل كافٍ للعامين الثاني والثالث. وكشفت أن المشاورات مع الأمانة العامة مستمرة في هذا الخصوص.
مصادر دبلوماسية مستقلة رأت في حديث لـ«الأخبار» أن «غياب المتهم الواضح في القضية يجعل أي استعجال في بدء عمل المحكمة محرجاً، وربما يؤدي إلى تقويض العملية بكاملها». وأضافت أن التحقيقات تشعبت على ضوء عدة تطورات حصلت في الأشهر الأخيرة، من تشابك الجرائم وبروز حركات ومنظمات إرهابية فاعلة على الأرض لم تتمكن الأجهزة الأمنية من القبض على عدد بارز من أفرادها.


الجريمة بين الأفراد والدول

كان رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي دانيال بلمار قد أشار في تقريره الأخير إلى أن مرتكبي الجريمة «أفراد ومجموعات»، إلا أنه أوضح لاحقاً، بحسب مصادر واسعة الاطلاع، أنه لم يقصد بذلك نفي البعد السياسي عن الجريمة، أو ألا تكون دول قد أسهمت أو خططت لتنفيذ الجريمة. كذلك فإنه كان قد أشار إلى أن أحمد أبوعدس قد يكون من الأشخاص الذين لهم صلة بمنفذي الجريمة، لكونه أعدّ شريط تبنّي التفجير قبل حصوله.
واستبعدت تلك المصادر أن يقدم بلمار في تقريره الجديد إضافات بارزة تحسم الجدل بشأن هوية الفاعلين. وينتظر المراقبون منه أن يعطي بعض الإيضاحات عن وضع المشتبه في كونهم شهوداً زوراً، وإذا كان قد تسنّى له مقابلة بعضهم أخيراً، ولا سيما «الشاهد» المختفي محمد زهير الصديق.