فداء عيتانياستحقت هذه البلاد الصغيرة منّا كل تضحية. استحقت من مات من أجلها، ومن أجل بقائها في الإطار الذي يحفظ لها الحد الأدنى من مصالح سكانها ومواطنيها. بكلام آخر، استحقت تضحيات الذين ماتوا مقتنعين بأن مصالحهم لا تتجسّد في غرب استعمرنا، وسلب كل ما يمكن سلبه، وتركنا لشأننا، على أن نتبع خطاه في الاستيراد وفي إبقاء السيطرة لعائلات احتكرت الوكالات. استحق هذا الوطن الصغير أن يموت آلاف الشبان من أجل أن يبقى كتلة واحدة، وأن لا ينعزل موارنته ومسيحيوه في بضع قرى يرطنون منها بالافرنجية علامة على استلاب لا يخفى، وينشدون أشعاراً عن الميزات الحضارية بينما يتضوّر أغلبهم من الجوع.

■ ■ ■

استحقت هذه البلاد أن نصل الى اليوم الذي تصارح فيه وزيرة زوّارها المعلمين الذين يطالبون بتحسين أوضاعهم بالقول «اختاروا مهنة أخرى» ليتجنبوا فقر الحال، واستحقت أن يصل الصراع الداخلي الى مفترق تتجمّع فيه كل قوى اليمين في إطار واحد، تجمعها شعارات لا تعني الكثير، مثل السيادة والحرية والاستقلال، دون أن تقدم أي إيضاح عن مستقبل البلاد والمسار الاقتصادي وطريق التطور والبنية الاقتصادية الاجتماعية. وتكتفي هذه القوى بتكرار إعلاني ممل لشعاراتها التي لا يختلف عليها عاقلان، بينما تضمر غير ذلك تماماً.

■ ■ ■

في مقابل قوى 14 آذار التي تجتمع في النهاية على مجموعة من المصالح التي تربطها بالغرب، تفتقر المعارضة الى الحد الأدنى من الوعي المصلحي للفئات التي يفترض أنها مؤهلة لتمثيلها، بينما يغيب اليسار في خدر مستمر منذ أكثر من عقد ونيّف. وإن لم يكن ممكناً لكل قوى المعارضة أن تجتمع على تمثيل مصالح المواطنين، فإن اليسار الذي كان يفترض أن يشكّل العمود الفقري لمعارضة مشابهة، يضيّع للمرة الألف فرصة أداء دور، ولو فكرياً، في تفكيك الخطاب اليميني الوقح لقوى 14 آذار، ويقف متفرّجاً وباحثاً عن مدخل له في لعبة الطوائف وتقاسم المقاعد البرلمانية.
إن فخر اليساريين بأنهم أول من أطلق المقاومة يمكن ترجمته أيضاً في أنهم المدافعون عن مصالح شعبهم، لا في محاولة استعادة دور عسكري أو شبه عسكري. على الاقل لنستحق هذه البلاد الصغيرة التي استحقت كل تضحيات أبنائها.