ريمون هنودكان فرج الله الحلو مقدِّساً للفكر، ساعياً إلى القضاء على كل مَن يعيق طريقه من حواجز ومحرّمات، ليتسنى له التنفّس والتعبير عن قدراته الفائقة في النقد البنّاء. أحبَّ فرج الله الناس كثيراً، عشق العمال والفلاحين، عشق مطارقهم ومناجلهم. استمات في الدفاع عن القيم الإنسانية. كان يحب الأدب والشعر والفن، وكان يرى أن نتاج الأدباء والشعراء والفلاحين هو نتاج إبداعي، نتاج في خدمة الوطن والحرية. عدو فرج الله الأول كان الاستبداد، وكان فرج الله من جهابذة الطراز الأول، يغوص عميقاً في التفكير في القضايا، ويصل إلى استنتاج ورأي، فلا يفرضه على الناس فرضاً، كما هي الحال اليوم مع أمراء الطوائف، بل يسأل الناس عن رأيهم فيه. ويقول فرج الله الحلو: ينبغي أن يعلم جميع رفاقي أن الثقافة في حزبنا ليست عملاً طارئاً، الثقافة هي عمل مستمر دائم منظَّم طويل الأمد، وما بداخل الحزب من عضو واحد في غنى عنها». وبعض الشيوعيين ظنوا أن الثقافة التي يدعو إليها فرج الله الحلو هي فقط الثقافة الماركسية التي تمثّل نظرية الشيوعيين العلمية. فرج الله الحلو لا يقف عند هذه الحدود. ويقول في هذا الإطار: «لا يكفي الرفاق الشيوعيين معرفة نظريتهم العلمية فقط للرفع من مستواهم السياسي، لأنه لا يمكنهم هضم نظريتهم العلمية إذا لم يكن لهم معارف عامة وثقافة عامة، ولا يستطيعون معرفة مستواهم السياسي والنظري إذا لم يدرسوا أحوال وطنهم وتاريخ شعبهم». وقد وجّه فرج الله الحلو نداءً إلى الرفاق قائلاً: «يجب أن نعرف بلادنا، أن ندرس كل بقعة من بقاعها بجميع ميزاتها وخاصياتها. تاريخنا ندرسه في ضوء نظريتنا العلمية، وضمنها يجب أن نفهم تاريخنا العربي وثقافتنا العربية وحركة النضال التحرري لشعبنا خلال التاريخ». مفهومه هذا للثقافة صاغه في التقرير المقدم إلى المؤتمر الأول للحزب الشيوعي الذي عُقد في بيروت بين 31 كانون الأول 1943 و2 كانون الثاني 1944. وكان فرج الله عام 1937 قد كتب بوضوح: «...
وكما استفاد الماركسيون الروس والماركسيون في المستعمرات القيصرية القديمة من كل الاختبارات الماركسية السابقة في الغرب، لأجل تحرير شعوبهم، هكذا يستفيد الماركسيون الآخرون اليوم من كل اختباراتهم لتحرر شعوبهم أيضاً. واليوم بعد مرور 49 عاماً على استشهاد فرج الله الحلو، إلى متى سيبقى التجاهل الرسمي مستمراً لعملاق من العمالقة الذين دحروا الانتداب الفرنسي عن لبنان عام 1943 وحققوا استقلاله؟
هذا ولم يكن فرج الله الحلو الشيوعي الوحيد الذي ناضل ضد المستعمر الفرنسي بل كانت معه مجموعة من الرفاق المناضلين أبرزهم أنطون تابت، أرتين مادويان ومصطفى العريس. إنه لكفرٌ الاستمرار في التجاهل الرسمي لحقوق مناضلين وطنيين من الطراز الأول. ويجب أن يعلم القاصي والداني أن فرج الله الحلو ثائر بكتابات نبيّ من لبنان اسمه جبران خليل جبران، التي أسهمت كتاباته في تفتّح وعي فرج الله المتمرد والثوري. فرج الله الذي ثمَّن وقدَّس دور الشجعان الرواد الأوائل الذين بشروا بالفكر الاشتراكي والنزعة المادية كشبلي الشميّل ونقولا حداد. فرجاءً لنكن منصفين، لأن تجاهل التاريخ لا يقل شأناً عن هتك الأعراض.