فايز فارسيحكى أن حكومة بريطانيا العظمى وجدت نفسها في حاجة ماسّة جداً جداً إلى المال وهي في عزّ المواجهة العسكرية ضد ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى. والحروب تحتاج من أجل الدخول فيها، إلى المال والرجال. يومها كانت الإمبراطورية تزخر بالرجال بينما المال كان شحيحاً. لكنه كان وفيراً في أيدي جماعة اشتهرت بتملّكها عبر كل العصور، عنيت بها الجماعة اليهودية، التي مدّت، كما يقال، الحكومة البريطانية بأربعين مليون ليرة استرلينية ذهباً، أي ما يوازي اليوم أكثر من أربعين مليار دولار أميركي. لم يكن هذا المبلغ الضخم منحة بل منّة لأن الحركة الصهيونية بقيادة الوكالة اليهودية، حصلت حينها في المقابل على وعد بإنشاء «وطن» يهودي في فلسطين التي «حظيت» بانتداب بريطاني بعد انتهاء الحرب الكبرى واقتسام هذا الشرق الأوسط مع حليفتها فرنسا استناداً إلى معاهدة سايكس ــ بيكو المشؤومة.
واليوم، أي بعد نحو مئة عام على إتمام هذه الصفقة التاريخية الوقحة، تقع أمامنا ثلاثة أحداث تصب كلها في خانة اليكّ ذاتها، وتدعونا إلى المقارنة وأخذ العبر:
الحدث الأول وقع عندما أقدم طلاب جامعة أوكسفورد البريطانية الشهيرة على مواجهة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بالحقائق الراهنة والسابقة التي قام عليها وما زال قائماً الصراع العربي ــ الفلسطيني ــ الصهيوني.
تهدّج صوت زعيم الإرهاب الإسرائيلي وتلعثم وكاد يغادر القاعة لولا تدخل إدارة الجامعة ورجال الأمن. فهل تسنى لهؤلاء الطلبة قراءة مذكرات ضابط الارتباط البريطاني الشهير «لورنس العرب» خريج جامعة أوكسفورد وأحد المدرّسين السابقين فيها؟
الحدث الثاني جاء عندما استقبلت ملكة بريطانيا إليزابيت الثانية الرئيس الإسرائيلي وقلّدته براءة السيد البريطاني Sir. فهل جرى ذلك تعويضاً له عن «الإساءة» التي لحقت به جراء إدانته العلنيّة على لسان طلاب أحرار يتدرّبون على ممارسة الديموقراطية في إحدى أهم الجامعات البريطانية، أم اعترافاً بدوره الكبير في التوفيق بين ممارساته للإرهاب المشرعن وانخراطه في العملية السلمية على الطريقة البريطانية ــ الأميركية؟
الحدث الثالث تمثّل في دخول العاهل السعودي الملك عبد الله رسمياً إلى نادي «العشرين حرامي» الدولي، حيث سيكون الوحيد بين زعماء هذا العالم التافه، الذي لن يحمل صفة «الحرامي» معاذ الله، لأنه سيجري «تشليحه»، مع إخوانه في العروبة والإسلام، ما يملكون من فائض مالي بطريقة رسمية ومباشرة وعلنية من الآن فصاعداً، من أجل إنقاذ نظام مالي عالمي يكاد ينهار لولا تقديمات عرب الخليج السخيّة.
متى سيتعلّم العرب من تجارب «اليهودي الصهيوني» عدوهم المباشر الذي نجح في فرض أهم مشروع كولونيالي في التاريخ المعاصر مستعملاً كل الوسائل المتاحة من مال ورجال وإعلام مضلّل كاذب واستباحة لكل المعتقدات الدينية والقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية... فابتاع وطناً ومارس الإرهاب بيده اليمنى وصافح الجميع رافعاً بيده اليسرى علم السلام؟
وهل يكون الملك السعودي هو روتشيلد القرن الواحد والعشرين فيجتمع بإخوانه أمراء الخليج ويتفقون معاً على تقديم الأموال الضرورية اللازمة من أجل إنقاذ ليس بريطانيا أو الولايات المتحدة الأميركية فقط، بل جميع الدول ضحايا نظام رأسمالي متوحش أكل الأخضر ولم يبق يباساً... مقابل استعادة أرض فلسطين محرّرة مطهّرة من دنس الغزاة الصهاينة، لتعود كما كانت أرضاً مقدسة تحتضن أتباع كل الديانات السماوية والأرضيّة الباحثين عن واحة سلام ووئام بين البشر بعدما أتخمت كل شعوب الأرض بالحروب المستدامة خلال قرن مضى... وآخر ما زال في بداياته؟