خالد صاغيةلا يمكن أن تنتظر إعادة وصل العلاقات بين لبنان وسوريا صدور أحكام المحكمة الدولية. ومن المفضّل أن يقوم بهذا الوصشل مسؤولون من خارج الطبقة السياسية التي ارتبطت بعلاقات ودّية أو عدائيّة مع النظام السوري. شكّلت زيارة وزير الداخلية زياد بارود إلى دمشق مدخلاً مهمّاً في هذا السياق. فمن المفيد عدم بناء علاقات جديدة على التكاذب مرّة أخرى، ما دام الجميع يشدّد على وجود مصالح سوريّة في لبنان، وما دامت الرغبة اللبنانية عارمة في إقامة علاقات مميزة شرط احترام استقلال البلدين.
لكنّ ما يحدث لبنانيّاً، ناهيك بما يحدث سوريّاً، بعيد عن هذه الوجهة. هناك من ناحيةٍ تصويب على رستم غزالة وكأنّه هو من صاغ شكل العلاقات اللبنانية السورية، وكأنّ من كان معتمداً قبله في لبنان أرسى علاقات طبيعية ونزيهة بين البلدين. وفي الناحية الأخرى، هناك شيطنة لثالوث الشهابي ـــ خدّام ـــ كنعان من أجل تحميله مسؤولية كلّ ما جرى من موبقات وتبرئة النظام السوري ـــ كنظام، وكأنّ ذاك الثالوث كان يتحرّك بمفرده، وفقاً لمصالحه الشخصيّة. وكأنّ الفترة التي تسلّم فيها رستم غزالة عنجر كانت فترة ورديّة في تاريخ العلاقات اللبنانية ـــ السورية.
إنّ الإصرار على حرف رواية الحقبة السوريّة بهذا الاتّجاه لا يؤسّس إلا لعلاقات مشوّهة بين البلدين. علاقات يستثمرها فريق لبناني لضرب فريق آخر. لا شكّ في أنّ كيفية التعاطي مع التوازنات اللبنانية والزعامات التقليدية اختلفت بين كنعان ورستم. لكن، كما كرّس الأوّل زعماء محظيّين، مهمِّشاً الآخرين، هكذا فعل الآخر. وكما بنى الأوّل شبكة الفساد خاصّته، هكذا فعل الآخر. وكما تذلّل زعماء لبنانيون، مستنوبون ومستوزرون، على عتبة باب الأوّل، هكذا حصل على عتبة الآخر. وكما يحصل في أفلام المافيا، غالباً ما أطلقت النيران بأمر من الأوّل، وأيضاً بأمر من الآخر.
إنّ الدخول في لعبة المفاضلة هنا هو عودة طائعة إلى الحقبة السورية. تلك الحقبة التي لم يُعرف عنها أنّها أعطتنا حتّى ترف المفاضلة بين ما نحبّ وما نكره.