مازن يوسف صباغبرغم ما يُتداول عن زيارة العماد ميشال عون إلى سوريا، فإن توجيه سوريا دعوة لشخصية وطنية لبنانية عربية مارونية من نوعية العماد عون هو أمر طبيعي. وأن يلبي العماد عون دعوة إلى الدولة الجارة الوحيدة لوطنه لبنان هو أمر طبيعي أيضاً، وخاصة أن سوريا تملك وزناً إقليمياً ودولياً وبعداً حضارياً تاريخياً عربياً وإسلامياً، بالإضافة إلى مكانتها المسيحية المميزة، ففي الشارع المستقيم (شارع مدحت باشا اليوم) فتحت بصيرة بولس الرسول، ومن دمشق انطلق مبشراً برسالة يسوع المسيح في أنحاء العالم أجمع، مستشهدين بحديث الرئيس الراحل حافظ الأسد في قوله في 17/3/1997: «ولا يفوتنا أن نذكر أن المسيحية انتقلت إلى روما ومن ثم إلى أوروبا عامة من الأرض العربية بواسطة القديسين بطرس وبولس اللذين بشّرا بتعاليم السيد المسيح ورسالته السماوية، منطلقين من الأرض السورية».
ـــــ وفي شمال سوريا ولد مار مارون مؤسس الكنيسة المارونية المشرقية، وفي مناطق أفاميا وقلعة المضيف وشيزر وجبل سمعان والرستن ووادي نهر العاصي الأعلى بين حمص وحماه وجسر الشغور حتى أنطاكيا كانت معظم أديرة الموارنة، ومنها انطلق مار يوحنا مارون وأتباعه. وبين محافظتي حلب وإدلب وبموقع «براد» يرقد مار مارون وإليه يحج أتباعه ومريدوه، ولتاريخ اليوم هناك ثلاث أبرشيات (مطرانيات) مارونية في دمشق وحلب واللاذقية وطرطوس.
وفي دمشق كراسي بطريركيات أهم الكنائس المشرقية وأعرقها، «كنيسة أنطاكية وسائر المشرق» للسريان والروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك ورئاسة الكنيسة الإنجيلية الوطنية في سوريا ولبنان والعديد من الأديرة والزيارات.
ومن حمص وحماه وحلب وأنطاكيا انطلق الموارنة، ومنهم قبائل (المردة والجراجمة...) العرب والأقحاح إلى أعالي جبال لبنان، وساهموا بفاعلية في النهضة العربية وحماية لغتنا العربية الجميلة.
ـــــ ومنذ بداية القرن العشرين وقبلها، وسوريا والشعب السوري يفتحان الأذرع والأبواب لاحتضان الهاربين من جحيم القيصرية في القوقاز وداغستان وبخارى، ومن أرمينيا وكيليكيا، ومن فلسطين العربية المغتصبة المحتلة، وأهلنا الذين هربوا من أتون الحرب الأهلية اللبنانية والعدوان الإسرائيلي المتكرر، وأهلنا من العراق الشقيق.
سوريا لا تسأل ولا تدقق ولا تفرّق ولا تسأل عن عمر القادم إليها أو جنسه أو دينه أو مذهبه أو إثنيته أو انتمائه. ترحب وتستوعب وتحتضن. ولعل هذا هو قدر سوريا وشعبها.
واليوم والعماد عون في دمشق قلب العروبة النابض إنما يؤكد على رسالة ثانية يرفعها مسيحيو المشرق في وجه دعوات الانعزال ومؤامرات الهجرة والتهجير، وهي أن العرب المسيحيين في الشرق هم من سكان هذه المنطقة الأصيلون، وهم جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، ومصير العرب المسيحيين لا يمكن فصمه بأي حال من الأحوال عن مصير باقي إخوانهم العرب المسلمين، والعكس بالعكس. فالعروبة الحضارية المنفتحة الخالية من العنصرية والشوفينية والتعصب والقابلة والمتفاعلة مع الآخر هي الضمان وصمام الأمل والأمان للجميع.
البعد الآخر الذي تحمله زيارة العماد عون إلى دمشق هي إنهاء جميع المفاهيم المغلوطة التي كانت موجودة سابقاً. وهنا لا بد من التذكير بأن هذه الزيارة ليست الزيارة الأولى للعماد ميشال عون إلى سوريا، حيث سبق له أن زارها عندما كان قائداً للجيش اللبناني عام 1985.
إن هذه الزيارة تفتح صفحة جديدة في الاجتماعات والمناقشات، وصولاً لتفاهمات لمصلحة سوريا ولبنان، وعلى قاعدة استقلال كل من البلدين وسيادتهما ومصلحتهما، تعزيزاً لمبدأ العلاقات المميزة الواردة في وثيقة «الوفاق الوطني» التي أقرت في الطائف وأصبحت في مقدمة الدستور اللبناني، لا سيما بعد إقرار إقامة التبادل الدبلوماسي وبحث المواضيع التي حددتها جلسات الحوار الوطني اللبناني في حزيران 2006، وفي اتفاق الدوحة أيار 2008 وجلسات الحوار في القصر الجمهوري في بعبدا خلال هذا العام.
وهذا المبدأ الذي يحكم العلاقات بين البلدين الشقيقين والجارين لقي دعماً وزخماً من خلال اللقاءات والاتصالات والتنسيق بين الرئيسين بشار الأسد وميشال سليمان.
ونختم بقول الرئيس بشار الأسد في أيار 2001: «كانت دمشق أقدم مدينة في التاريخ مهد المسيحية الأول عندما انطلق منها بولس الرسول ليبشر بتعاليم السيد المسيح ومبادئه في المحبة والتسامح، وفي دمشق أُرسي بناء الدولة الإسلامية الأولى عندما أصبحت عاصمة الدولة الأموية من الصين إلى إسبانيا، تنشر تعاليم الإسلام المستندة إلى مبادئ التسامح والإخاء والمساواة، وفي سوريا يقوم التآخي بين جميع المواطنين لخير الوطن في مساواة كاملة في الحقوق والواجبات».
هذه هي الرسالة السورية، الحضارية، المدنية، المتسامحة والمتفاعلة.
أهلاً بالعماد ميشال عون في سوريا.