أفكار 1» تنتهي مدته أواخر العام و«أفكار 2» مستمر لغاية 31 آذار 2011، و«أفكار 3» عبر بروكسيل وهو في طريقة إلى لبنان. هذه هي خلاصة اللقاء الذي جمع جمعيات لبنانية مع أحد مموّليها. اللقاء الذي هدف إلى «المراجعة والتقويم» لم يطرح الأسئلة العميقة، لكن هذه الأسئلة طرحت في اليوم نفسه في فلسطين
بسام القنطار
حدثان يستدعيان الوقوف والمراجعة تزامن حدوثهما في فلسطين ولبنان أمس. في فلسطين، أصدرت نحو ألف جمعية ومؤسسة في المجتمع المدني بياناً مشتركاً استنكرت فيه تغلغل المؤسسات المانحة في المجتمع الأهلي الفلسطيني وإغداقها أموالاً كثيرة بغية التطبيع «الذي أصبح الشغل الشاغل» لهؤلاء، وتوقيع بعضها وثيقة «الإرهاب الأميركية» طمعاً في ذلك التمويل .
وأضاف البيان: «لقد آن الأوان لنصوغ بأنفسنا متطلبات استمرارنا، الذي لم يستطع الاحتلال بكل ما أوتي من قوة أن يوقفه، ونحن على يقين بأن مؤسساتنا لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تشاهد استباحة مؤسسات دخيلة على المجتمع لساحة عطائنا (...) وكشفت، بعدما تمكنت، عن قناع الهدف الحقيقي، ألا وهو إلغاء دور المؤسسات الوطنية وزرع قيم تتناقض مع المضمون الوطني التحرري».
أما في لبنان، وفي لقاء لمراجعة وتقويم نتائج برنامج «أفكار 1 و2» المموّل من الاتحاد الأوروبي بإدارة مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية (الذي استفادت منه 40 جمعية أهلية بتمويل بلغ 4 ملايين يورو)، فقد وقف سفير بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان، باتريك لوران، يشحذ همم منظمات المجتمع المدني قائلاً: «أعتقد أن جهودها المكثّفة البعيدة عن الزبائنية والانقسامات القديمة قادرة على تأدية دور رئيسي في نقل السياسة اللبنانية من الأشخاص إلى البرامج، ومن الـ«من» إلى الـ«لماذا» مما يسمح ببناء المفهوم الأساسي للمدنية والمواطنة». وأضاف: «لقد تحدثت إلى العديد من الأشخاص الذين يسيطر عليهم الإحباط والخيبة ويرون أن الأمل ضئيل في تخطي العقبات السياسية للمجتمع اللبناني، لكنني أُصرّ على أنه حان الوقت لتأدية دور معين والمحافظة عليه، والطلب إلى السياسيين بحزم ووضوح إجابات لمعالجة آلام البلاد». أما وزير الإعلام طارق متري، الذي حضر لينوب عن زميله الذاهب إلى الحج إبراهيم شمس الدين، فيقول: «إن مشاريع برنامج «أفكار» خلّاقة، وهي مهتمة بالدرجة الأولى ببناء دولة الحق». وعرّج متري على سؤال وصفه بأنه «شغل بال جيله. كيف نفرق بين الخصوصي والكوني وبين الداخلي والخارجي؟ وخلص إلى القول: أحسب أننا في لبنان تجاوزنا الموضوع، نحن جزء من هذا العالم الكبير».
نستعرض هذين الحدثين لا للتشكيك في الاتحاد الأوروبي، وتحديداً في مشروع «أفكار» الذي يموّله، ولا للقول إن الحملة ضد الجهات المانحة في فلسطين تجعلنا نقفز إلى إطلاق الأحكام نفسها في لبنان، مع أن الساحة مستباحة لمن يريد خوضها، والبطالة تعصف بالمجتمع بطريقة تبدو فيها بعض الجمعيات كأنها مجرد فرصة عمل بتمويل أجنبي. لكن تزامن الحدثين يضع الأسئلة الآتية برسم منظمات المجتمع المدني اللبناني:
هل سبق أن اعترضت أي من الجمعيات الأهلية اللبنانية على الشروط التي تضعها جهات مانحة أميركية وأوروبية لجهة مناسبتها على الأقل أولويات محلية؟ وماذا عن إلزامية عدم استفادة جهات، تصنّفها الدول الممولة إرهابية، من برامجها وتحديداً في جنوب لبنان؟ هل قدمت أيّ من الحكومات اللبنانية المتعاقبة آلية لتعاطي الجهات المانحة مع وزاراتها؟ من الأمثلة على غياب مثل هذه الآلية تولي وزارة التنمية الإدارية مشروعاً يتعلق بالجمعيات الأهلية في وقت أنشأت فيه وزارة الشؤون الاجتماعية وحدة خاصة للجمعيات الأهلية بتمويل أممي أيضاً! وهل راعت الجهات المانحة والوزارات المعنية والجمعية الأهلية عدم تنفيذ مشاريع سبق أن صرفت آلاف الدولارات على تنفيذها، كتمويل برنامج أفكار تحديداً لإعداد دراسة عن قانون المعوّقين، في وقت منح فيه البنك الدولي جمعية أخرى تمويلاً ضخماً لتنفيذ الدراسة نفسها؟
لقاء برنامج «أفكار» أمس لم يجب عن هذه الأسئلة، لكنه عرض تجارب المشاريع التي موّلها عبر مداخلات قدمتها مديرة المشروع يمنى غريب، ومسؤول مؤسسة ايمرجانس الأوروبية التي تولت تقديم المساعدات التقنية إلى 24 جمعية أهلية نفذت مشاريع تنوّعت بين استقلالية الإعلام، وحماية البيئة، والإدمان على المخدرات، والعنف الأسري، والمعوقين والمهاجرين والسجناء وغيرهم من الفئات المهمّشة.