حوّل أولاد لجنة «أطفال لرفع الحصار» ساحة «الأسكوا» إلى ساحة للعب، ناسين أنّهم يعتصمون هنا لدعم أطفال غزة المحاصَرين
راجانا حمية
نزلت الطفلة نور الحركة من الباص إلى ساحة الشهداء، حيث يعتصم رفاقها تضامناً مع أطفال غزّة. كانت الصغيرة لا تزال مستغرقة في ترداد أغنية «سخبط سخابيط» (والأصل شخبط شخابيط) بلثغتها المحبّبة حين وجدت نفسها فجأة بين آلاف الأطفال الفرحين مثلها بـ«التعطيل». فجأة، تنسى نور أغنيتها، وتقف في مقدّمة الصفّ الطويل، وهي تحمل لافتة «أطفال فلسطين يا عرب.. يا عرب»، تجهل حتماً كلماتها، ولكنّها حملتها بناءً على طلب من معلّمتها. لم تكن نور تعرف سبب الحضور المفاجئ إلى المكان، فكلّ ما تعرفه أنّ «المس»، وتقصد المعلّمة، «قالت لنا ضبّوا أغراضكم، بدنا نفلّ». تنهي حديثها، وتشيح بنظرها نحو معلّمتها، وتسألها: «مس، سو بقلّها، ليس جينا؟»، فتجيبها الأخيرة: «نحنا هون، عشان أطفال غزّة اللي موّتتهن إسرائيل». تبتسم الصغيرة، وتردّد جواب «المس» حرفياً، من دون زيادةٍ أو نقصان. حضرت نور أمس للمشاركة في الاعتصام التضامني الذي نظمته لجنة «أطفال لرفع الحصار»، كانت واحدة من بين آلافٍ آخرين، لا يعرفون عن النشاط، سوى ما قاله المعلّمون صباحاً قبل الانطلاق إلى ساحة الاعتصام، التي تحوّلت إلى ساحة للعب.
فعلاً، هكذا بدت ساحة الشهداء أمس، في حضور أكثر من 15 ألف طفل، استغلّوا وجودهم خارج الصفوف للعب، حتى وصل الأمر بالطفل هاشم عوّاد (الخامس أساسي) إلى تأليف فريق للعب «الطميمة»، إلى أن تحين ساعة الانطلاق إلى ساحة «الإسكوا»، حيث من المفترض أن يكون الاحتفال الرسمي. إذاً، ساعتان من اللهو، لم يخرقها، سوى ترداد بعض الهتافات التي يطلقها المعلّمون أمام صغارهم «الموت لإسرائيل» و«مين يعالج ويداوي جرح الطفل الغزاوي»، أو تلك التي يطلقها الصغار أنفسهم، من دون أن يكون لها علاقة بالمناسبة، إلا أنّهم اعتادوا عليها «والله نصر الله والضاحية كلها» أو «أبو هادي». لكن، وسط الصغار المغتبطين بفسحة الترفيه المفاجئة، ثمّة من استطاع فهم بعض تفاصيل النشاط، أو حفظه على الأقل. تبتسم جنى فاضل، عندما تسألها معلّمتها عن سبب مشاركتها في النشاط، فتقول، وهي تنظر إلى المعلّمات اللواتي وقفن لسماع إجابتها: «أنا هون عشان ولاد غزة، لأنهم فقيرين ومحتاجين لمساعدة وبدهن يفوتوا على المستشفى بس إسرائيل ما عم تخليهن». كانت جنى لا تزال تستغرق في شرحها، عندما قاطعتها التلميذة علا حمّود، الأكبر سنّاً، لتقول: «نحنا بنفوت على المخيّم، لعند رفيقتي الفلسطينية، ومنحبّها كتير».
تهيأ التلامذة للانطلاق يحملون الأعلام الفلسطينية واللبنانيّة واللافتات المندّدة بالحصار المفروض على غزّة وصمت الدول العربيّة. انطلقت المسيرة مع «الزهرات» الثلاث، وفتيان «مبرّة السيّدة الزهراء» يحملون العلم الفلسطيني الكبير ويتمايلون على أنغام موسيقى «التراث الفلسطيني»، وخلفهم الرفاق.
في ساحة «الإسكوا» اختلف الأمر. كان كلّ شيءٍ منظّماً، حتّى الأطفال كانوا أكثر وعياً، رغم أعمارهم الصغيرة. فصعد عريف الحفل الطفل محمّد العطّار من ثانوية الآداب، وعلا معه الصراخ. كان يحمل في يده اليمنى غصناً من شجرة «الليمون»، وفي اليد اليسرى أشعاراً، تاهت ما بين نصرة أطفال غزّة، ونصرة الضاحية الجنوبيّة وعيتا الشعب. غنّى محمّد كثيراً، قبل أن «تزيحه» نور غملوش، التي بدت أصغر من سنواتها الست، عن المنبر مردّدة: «أنا أكره إسرائيل، نحن نكره إسرائيل...». ساعة من الغناء لأجل غزّة، فيما الأطفال الباقون غارقون في لهوهم في الساحات الفسيحة أمام الإسكوا. وربّما لم يحظوا بسماع الرسالة الموجّهة إلى الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون التي تلاها علي يوسف، ومن ثمّ سلّمها إلى ممثّل الأمين العام.