خالد صاغيةتترافق زيارة العماد ميشال عون إلى دمشق مع عزف جماعي لأسطوانة غريبة: الجنرال زعيم وممثّل لمسيحيّي الشرق. لا ندري ماذا تعني هذه الزعامة، ولا كيف نسج عون خيوط علاقاته مع المسيحيّين من بين شعوب المنطقة. ما نعرفه هو أنّ خطاب عون شهد تراجعاً هائلاً من شعار الدولة المدنيّة في لبنان إلى الزعامة المسيحيّة فيه، ثمّ التعويض عن انحسار الزعامة بطائفة واحدة عبر ادّعاء تمثيل هذه الطائفة تمثيلاً عابراً للحدود الوطنية. نفهم أن تكون التركيبة الطائفية في لبنان قد أضعفت الانتماء الوطني لدى جميع الطوائف، وأن تكون جموع كبيرة من اللبنانيين تعرّف عن نفسها بطائفتها أوّلاً، وانتمائها الوطني ثانياً، لكن منذ متى يبحث مسيحيّو الشرق عن زعامة جامعة من خارج الحدود؟ هل أقباط مصر ومسيحيّو طنجة الذين يتغنّى بهم الوزير جبران باسيل تائقون فعلاً إلى زعامة الجنرال ميشال عون؟
حتّى سوريا التي يزورها عون اليوم، هل يرضى النظام السوري أصلاً بأن يكون لمسيحيّيها ولاء لزعامات من خارج حدودها؟ هل هي عدوى يحاول اللبنانيون نقلها إلى سائر أوطان الشرق، بأن يجري تقسيم أبناء هذه الأوطان إلى مسيحيّين ومسلمين، لكلّ منهم زعامته، التي قد تكون من داخل الوطن وقد لا تكون؟
إنّ التركيبة السياسية اللبنانية غالباً ما منعت الزعيم المسيحي الأقوى من الوصول إلى رئاسة الجمهورية، التي بقيت مقعداً للمعتدلين والمساومين والباحثين عن الحلول الوسط. لا بيار الجميّل وصل إلى الرئاسة، ولا ريمون إدّه، ولا ميشال عون. وحين وصل بشير الجميّل، كان الاغتيال بالمرصاد. الابتعاد عن الحلم الرئاسي يمكنه أن يعوّض بألف طريقة وطريقة، من دون الحاجة إلى هذا النفخ الخطير في الروح الطائفية في المنطقة.
أن تكون الزعامة المسيحية اللبنانية قد اختارت الوقوف إلى جانب المقاومة التي تحظى بشعبيّة في العالم العربي، يمنح هذه الزعامة دون شك تقديراً عربياً لها. تقدير يتشارك فيه المسيحي والمسلم. أمّا التمثيل السياسي، فأمر مختلف.