محمد شعير
لطفي لبيب اكتشاف. هو ليس مجرّد فنّان كوميدي برع في السنوات الأخيرة بأداء أدوار الرجل الثاني أو «السنّيد» حسب لغة السينما، أو «ثاني أوكسيد المنغنيز» حسب لغته هو. لغته ساخرة، تحمل في الوقت ذاته حسّاً فلسفيّاً حتى إنّ مقولاته في الجلسات الخاصة مع الأصدقاء صارت «أمثالاً» إلى درجة أنّ شاعر العامية المصري سيّد حجاب يستشهد غالباً بأقواله، قبل أن يضيف «حسبما يقول سي لطفي».
سخرية امتدّت إلى كل شيء حوله... فهو يسخر حتى من نفسه أحياناً. عندما تسأله عن دوره في عمل ما، يجيب: «أقوم بدور ثاني أوكسيد المنغنيز». وهو أحد العناصر الكيميائية المحفّزة التي «تساعد» على التفاعل، لكنّها لا «تشارك» فيه. وهو ما يشبه أدواره السينمائية «أساعد في تحريك الأحداث ولا أشارك فيها».
رغم الشهرة التي اكتسبها في السنوات الأخيرة، إلا أنّه لا يسعى إلى أدوار «البطولة المطلقة»، فهو يعتبر بأنّه «لا معنى لهذه الكلمة، لا توجد في قاموسي الخاص». لماذا؟ «لأنّ الحياة نفسها لا يوجد فيها بطولة مطلقة. هناك شخص يعيش مع آخرين، له دور يؤديه، ليس مهماً مساحة الدور، لكن الأهم تأثيره». يؤكد ما يقوله بدوره في فيلم «السفارة في العمارة» مع عادل إمام وجسّد فيه شخصيّة السفير الإسرائيلي. الدور كان «نقلةً هامةً» في مشواره وقد أهّله لنيل جائزتين والعديد من التكريمات، رغم أنّ ظهوره لم يستغرق سوى خمسة مشاهد. ومع أنّ الدور كان مثيراً للجدل، إلا أنّه تحمّس له لأنّ أيّ فيلم من وجهة نظره يهدف إلى توصيل رسالة، والممثل هو أداة التوصيل. ورغم تحذير الأصدقاء بأنّ الدور قد يخصم من رصيده لدى الجمهور، إلا أنّه كان مقتنعاً بأنّه يقدم شيئاً ذا قيمة.
في كل أدواره، يحب أن يترك لطفي «بصمة»، «لا أحبّ أن أكون عابراً» تماماً كما أنّ كل دور أضاف له شيئاً جديداً: مسلسل «أرابيسك» أو أفلام «جاءنا البيان الآتي»، «الكلام في الممنوع»، «الليمبي»، «يا أنا يا خالتي»، «كدة رضا». كوكتيل من الشخصيات والأدوار أحدثت تراكماً هاماً وضرورياً للفنان، أيّ فنان. يوضح: «هناك ممثلون يصلون إلى النجومية بطريقة الصدمة، منذ أدوارهم الأولى، وآخرون يحقّقونها بالتراكم، وهم أكثر رصانة، وقدرة على الحفاظ على ما وصلوا إليه». ربما هذا ما يجعله يقبل بأدوار صغيرة، لكنّها ليست نمطية، كل شخصية لها مفتاح خاص بها، لكن المهمّ كيف يصل الممثل إلى تلك المفاتيح.
لكن، هل كان ظهور لطفي لبيب متأخراً؟ «ربما» يجيب. كان بداية معرفة الناس به في دور مؤثر في مسلسل «أرابيسك»، انطلق بعده ليجسّد شخصيّات كثيرة، لكنّ معرفة سيرة حياته قد تؤكد لنا أسباب تأخّر «نجوميّته». يضحك لبيب ويسأل: «هل شاهدتني بشَعر؟ لم يسألني أحد أين كان هذا الرجل قبل أن يتساقط شعره، أكيد لم أولد هكذا. أنا تعبت وكافحت».
على حدود محافظة المنيا، ولد لطفي لبيب من أب يعمل مفتشاً على البنوك، مهنته لم تتح للعائلة الاستقرار، إذ كان يتنقّل بين محافظة وأخرى، والمفارقة أنّ القرية التي ولد فيها لطفي، أصبحت لاحقاً جزءاً من محافظة أخرى هي بني سويف. لذا، عندما تسأله عن مكان ميلاده؟ يرد: «عندما ولدت... أم الآن؟!».
تخرّج لطفي لبيب في كلية الآداب، جامعة الاسكندرية، بعدما درس الفلسفة والاجتماع، ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية. وبعد تخرّجه، التحق بالجيش، ست سنوات كاملة، شارك فيها في حرب أكتوبر. وعندما خرج، كانت الدنيا تغيّرت. زملاؤه، دُفعته، في المسرح صاروا نجوماً، وكان عليه أن يختصر الطريق فقرّر الهجرة إلى أوستراليا، وهناك اكتشف بأنّ البشر إمّا «عصافير» أو «شجر»، وهو من النوع الثاني الذي لا يستطيع الخروج من جذوره. هناك أصيب بمرض غريب، حار الأطباء في تشخيصه. لكنّه كان يعرف السبب. إنّه «الحنين إلى الجذور»، لذا قرر العودة بعد تسعة شهور يعتبرها «تصوير على فلاش أخير». لكنّ الظروف لم تكن تغيرت كثيراً لدى عودته، لذا، يمّم شطر الخليج ثلاث سنوات ثم عاد أوائل الثمانينيات، فالتقطه سمير العصفوري ليقف على خشبة المسرح في «المغنّية الصلعاء ما تزال صلعاء». المسرحيّة كانت «ميلاده الحقيقي» وهي بانوراما من أعمال يوجين يونسكو. بدأ بعدها المشاركة بكثافة في أعمال مسرحية، حتى وصل إلى بطولة مسرحية «الرهائن» بمشاركة الوجه الجديد وقتها، الفنّانة السورية رغدة. هكذا بدأت نجوميته بين رواد المسرح، ولهذا ظل مخلصاً لهذا الفن. «المسرح حالة خاصة جداً، لا أستطيع وصفها» وسرعان ما يتوقّف، إذ حان ظهوره على الخشبة خلال إجراء بروفات مسرحية «علي جناح التبريزي وتابعه قُفَّه» للكاتب المسرحي الراحل ألفريد فرج، ويعود أكثر حماسةً للحديث عن المسرح: «هل رأيت؟ النص متجدّد، وهذه قيمة الأدب الحقيقي: أن نجد فيه أنفسنا في اللحظة الحالية رغم أنّه كتب منذ أكثر من نصف قرن». لكن ما لا يعرفه كثيرون أيضاً أنّ لطفي لبيب نفسه كتب العديد من السيناريوهات، وأنتج له المركز القومي للسينما فيلماً روائياً قصيراً «جنازة أمّ حسن» لكنّه يعتبر الكتابة هوايةً. ولهذا، لا يبذل جهداً لتسويقها: «لست محتاجاً للبحث عن رافد آخر أتحقّق من خلاله، لكن أعتبر بأنّ الكتابة تقلّم أظافر الوحش الداخلي. تجعلك أكثر هدوءاً واستيعاباً... تفكِّر في الكل لا في الجزء، عكس التمثيل حيث تفكر في الجزء ولا ترى الكل». ومن الأعمال التي انتهى من كتابتها «قانا وأخواتها» كتبه بعد مجزرة قانا الأولى 1996 وظلّ في الأدراج، حتى جاءت مجزرة قانا الثانية... لم يتغير شيء. كتب أيضاً عن تجربته في حرب 1973 سيناريو «الكتيبة 26»، لكن لم يتم تنفيذ الفيلم بعدما رفضته الرقابة من دون أسباب معلنة. أمر أصابه بالحزن الشديد «ليس لأنّ ما كتبته يرقى إلى درجة العبقرية، لكن لأنّ هذه الحرب لم تُقدّم حتى الآن تقديماً يليق بها».
لكن أليست مفارقة أن تكون كتاباته بعيدة تماماً عن أدواره الكوميدية، كتابات جادة، سياسية، يبدو أنّ السخرية تُخفي وراءها حزناً عميقاً. يوضح: «كممثل أنا من صُنع إبداعات الآخرين، لكن عموماً الفنان الكوميدي دائماً مهموم، يحاول أن يسعد الآخرين، لهذا هو أكثر الناس إصابةً بالأمراض باكراً: طلعت زكريا، سيد زيان، محمد شرف، فؤاد خليل، المنتصر بالله، محمد أبو الحسن، مرضى بسبب تراكم الهموم».
ربما دراسته الأولى للفلسفة والاجتماع، جعلت كتابته مختلفة عن أدواره: «عندما تنظر إلى مدينة كالقاهرة، تُدرك بأنّ مشكلتها الأساسية هي اجتماعية. هي مدينة تجد فيها كل المتناقضات. لن تعدم مثلاً أن تجد في أرقى ميادينها مواشي ترعى في حدائقها، أو عسكري مرور يوقد ناراً في الميدان ليستدفئ. حالة غريبة تغضبني. كما أدهش عندما أذهب إلى قريتي وأشاهد يافطات تُعلن وجود صالة بلياردو، أو مطعم اسمه «مسمط كوين». هل يتفق المسمط مع كلمة كوين! هذه المشاهد الواقعية تكشف أكثر ما تكشف أنّ مشكلتنا الأساسية: اجتماعية بالأساس».


5 تواريخ

1947
الولادة في صعيد مصر في المنيا

1971
تمّ تجنيده في القوات المسلحة وكتب عن تجربته سيناريو «الكتيبة 26» الذي لم يتمّ تصويره حتى اليوم

1981
أول ظهور له على المسرح في «المغنّية الصلعاء ما زالت صلعاء» للمخرج سمير العصفوري

1995
شارك في فيلم «السفارة في العمارة»الذي نال عنه جائزة أفضل ممثل من «جمعية الفيلم» و«أوسكار» السينما المصرية

2008
فيلم «رمضان مبروك أبو العلمين» مع محمد هنيدي وسيرين عبد النور. بدء بروفات «علي جناح التبريزي وتابعه قُفَّه» مسرحيّة الراحل ألفريد فرج