طرابلس ــ فريد بوفرنسيس«العيشة هنا لا تطاق، والمنطقة التي كانت من أفضل المناطق السكنية في طرابلس، فكان يقطنها «ذوات» البلد وعائلاتهم، تحوّلت اليوم إلى ملجأ للفوضى العارمة، وأصبحت أكثر المناطق فقراً وإهمالاً على الإطلاق». هكذا ترى فاطمة صالح منطقتها. فالسيدة التي تعيش في منطقة التبانة في طرابلس منذ عقود وعلى مقربة من سوق الخضر الواقع على ضفاف نهر أبو علي، ضاقت ذرعاً بالفوضى العارمة التي تحول منزلها إلى نوع من عليّة تقع فوق محل تجاري. وتضيف: «معظم سكان هذه المنطقة ـــــ أنا أعرفهم لأنهم جيراني منذ سنوات وسنوات ـــــ يلجأون إلى مغادرة منازلهم في الصباح ولا يعودون إليها إلا بعد الظهر، أملاً أن يكون ضجيج السوق وزبائنه قد خفّ قليلاً، عندها قد يستطيعون أن يحظوا بشيء من الشعور بالراحة».
الجميع أصبح يعرف هذه المنطقة بـ«سوق الخضر»، ما دفع إلى الوراء صفته الأخرى الأهم التي هي الحي السكني. فقد نسي الناس أن في محيطه سكاناً يعيشون، وأطفالاً يريدون اللهو. إنه سوق مأهول بالسكان، وتعيش في أبنيته شبه المهدمة عشرات العائلات إن لم نقل المئات، ضاقوا ذرعاً بالفوضى، وهم ما زالوا يعيشون حلم نقل سوق الخضر إلى مكان بعيد عن الناس، لأن من غير المعقول أن يعيش أحد في ظل هذه الفوضى. فعربات الخضر وأكياس البطاطا والبصل وغيرها، تسد مداخل الأبنية وتمنع السكان من الدخول أو الخروج إلى منازلهم بطريقة لائقة ومريحة.
لا يمكنك الدخول بسهولة إلى هذه المنطقة في طرابلس، وخاصة عبر المدخل الشرقي للمدينة، حيث يتحتم عليك المرور في سوق الخضر وزحمة سيره التي يجمع الكثيرون على أن من أهمّ أسبابها التوقيف العشوائي للسيارات، إضافة إلى عربات النقل الخشبية التي يجرها العمال، والتي لا يمكنك أن تتوقع متى يقرر «سائقها» أن يمر بين السيارات المتوقفة في زحمة السير، إلى صناديق الخضر وأكياسها التي ألقاها العمال هنا على الأرض، لدرجة أنها ملأت الرصيف، لا بل اقتحمت حدود الزفت على الطريق العام. كل تلك الفوضى تجري بانتظار أن تأخذ المنطقة شكلها الجديد بعد انتهاء الأعمال التي تجري حالياً لسقف نهر أبو علي، ورفع الحواجز الإسمنتية التي وضعتها الشركة على طول السوق، والتي تجعل من السوق معبراً ضيقاً وصعباً إلى داخل المدينة، ومضيعة قاتلة للوقت.
الكل يشكو في هذه البقعة من المدينة: فالناس غير مرتاحين في منازلهم، العامل غير راضٍ عن عمله ومعاشه، والسمسار يتأفّف من قلة المدخول وتراجع بيع الخضر وتزايد المنافسة الخارجية وارتفاع الكلفة. أمّا التاجر، فليس بأفضل حال، وخصوصاً مع التوتّر الدائم الذي تعيشه منطقة التبانة والأحداث الأمنية المتكررة التي هزّتها طوال الصيف والخريف الماضيين والتي أدت «إلى خسائر فادحة نتيجة الإغلاق الكلي لهذا السوق الوحيد في طرابلس مرات عدّة» بحسب ما قاله أحمد المصري وهو تاجر هنا. وقال الرجل: «إن الوضع يسير من سيّئ إلى أسوأ، وأوضاع الناس المادية أصبحت في هذا السوق لا تحتمل».


أين تعويضات الحوادث؟

كأن الأزمة الاقتصادية هنا لم تكن كافية، فإذا بالأهالي لا يحصلون حتى على تعويضاتهم عن فترة الأحداث. هكذا يشير أحمد المصري إلى «عدم حصول العاملين في سوق الخضر على تعويضات من الهيئة العليا للإغاثة، أسوة بمن تضرر في المنطقة»، وأضاف: «نحن أُقفلت أبواب رزقنا بإقفال السوق بالطبع، وخسرنا كل ما كان لدينا، إن لجهة البضائع أو لجهة التعطيل القسري عن العمل، ما جعلنا نصرف مخزوننا. إضافةً إلى أننا غرقنا في الديون. فمن يعوّض علينا بعد كل ذلك؟ ومن ينتشلنا من حالة العجز التي نعيش فيها اليوم؟». ثم يسكت قليلاً ليضيف بمرارة: «هل تعلم أن هذا الأمر ينطبق على أكثر من 80% من العاملين في هذا السوق».