تؤدي التعاونيات الزراعية دوراً أساسياً في دعم المزارع، إلا أنها، على كثرتها في لبنان، لم تتوصل بعد إلى تكوين قوة ضاغطة تجبر الدولة على احتضانها، ولا تزال تعتمد على دعم منظمات المجتمع المدني لضمان استمراريتها
رنا حايك
يشتهر التراث الغذائي اللبناني بمئات المنتجات التي لا تجد منفذاً لها في السوق. وفيما تمثّل التعاونيات الزراعية حجر الأساس في التنمية الريفية، إلا أنها لا تحظى باهتمام الدولة ورعايتها، فالمزارع والعامل في قطاع الإنتاج الغذائي غير مشمولين بخدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والمحاصيل الزراعية والمنتجات تتكدّس لدى أصحابها أحياناً بسبب غياب الخطة التسويقية، بينما يخضع الإنتاج لكلفة عالية بسبب قلة كميته وطبيعية المواد الداخلة في تصنيعه، وغياب الدعم، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية الزراعية.
في ظل عدم الاهتمام المحيط بهذا القطاع، تلعب منظمات المجتمع المدني التنموية دوراً مهماً في سدّ الفراغ من خلال الدعم الذي تقدّمه للتعاونيات الزراعية، والمشاريع التي تنفذها على الأرض في مختلف المناطق اللبنانية لدعم منتجات معينة.
يمثّل دعم التعاونيات الزراعية النسائية أحد المحاور الثلاثة للمشروع الذي تنفّذه مجموعة الأبحاث والعمل التنموي (C.R.T.D.A) بتمويل من الوكالة الكندية للتنمية التي تديرها منظمة أوكسفام ـــ كيبيك، ومن أوكسفام ـــ بريطانيا. محور يدور حول تمكين المرأة، من خلال مساعدة أكثر من سبعين تعاونية نسائية في مختلف المناطق اللبنانية على الاستمرار عبر تطويرها وتأمين تسويق منتجاتها وتصريفها، وتأهيل أعضائها وتدريبهم.
«مشكلة هذا القطاع هي أن لا أحد، لا على على المستوى الرسمي ولا الاجتماعي، يأخذه على محمل الجد. فقد اكتشفنا حين بدأنا بالعمل على المشروع منذ ست سنوات أن التعاونيات موجودة، لكن ينقصها التأهيل والتنظيم. فالنساء لا يزلن يعانين من مشاكل على مستوى صيانة الماكينات التي أمنتها لهن جمعيات ومنظمات المجتمع المدني. كذلك هناك مشكلة التسويق، وخصوصاً بالنسبة للبلدات البعيدة، لذلك ركزنا كثيراً في عملنا على تعاونيات المناطق النائية المحاذية للحدود. بالإضافة إلى ذلك، برزت مشاكل افتقار التعاونيات إلى رأس المال التشغيلي، ومشاكل التخصصية في ما بينها بالنسبة لأنواع المنتجات. هذا قطاع في غاية الأهمية لأنه يمثّل حلقة اقتصادية متكاملة بين المزارع والمستهلك»، كما تشرح ناتالي شمالي، منسقة مشروع تمكين المرأة في مجموعة الأبحاث والتدريب (C.R.T.D.A)
دفع هذا الواقع بالمجموعة إلى إيلاء التعاونيات أهمية كبيرة، فنظمت دورات التدريبية تطبيقية للنساء شملت الكمبيوتر والمحاسبة وإعادة التدوير، كما دُرس تطوير التعاونيات واستثمار أساليب جديدة تضمن مدخولاً صافياً لها. من هذه الأساليب، التنسيق بين التعاونية والبلدية وأهالي المنطقة لتشغيل الماكينات تجارياً وليس فقط لإنتاج التعاونية. هكذا، أجّرت كسارة الصنوبر في تعاونية عين عطا، المنطقة المشهورة بإنتاج الصنوبر، لمزارعي المنطقة، لقاء بدل أمّن للتعاونية مدخولاً.
وبما أن التسويق يمثّل الحلقة الأهم في دورة التعاونيات الاقتصادية، فقد استحدثت المجموعة أواخر شهر تموز من العام الجاري منفذاً للبيع في العاصمة، لتصبح «النملية»، وهو اسم المنفذ، الوحدة التسويقية التي يجري فيها تسويق منتجات التعاونيات النسائية. هناك، تجد صابون عيتا، والقمح المحمص من المحيدثة، ومربى الجوز من جديتا، والكعك بتمر الذي تشتهر به بلدة عين إبل...
«النملية هي صلة الوصل بين التعاونيات والمستهلك. نعرض فيها المنتج الأجود، من التعاونيات التي نتعامل معها ضمن المشروع أو من تعاونيات أخرى إذا كانت تقدم منتجاً مختلفاً وذا جودة عالية. نشتري من التعاونيات ونبيع المنتج بأسعار التجارة العادلة»، كما تشرح شمالي. وتضيف خبيرة التسويق المشرفة على الوحدة، زينة الهاشم: «لدينا حوالى مئة منتج نعمل الآن على محاولة تصديرها. فالمستهلك يتجه اليوم نحو طلب المنتج الطبيعي. وهذه منتجات طبيعية مئة في المئة، ولذلك ترتفع أسعارها قليلاً عن الأخرى المعلبة، لكنها تنتج من قطاع يجب دعمه لتعزيز الريف وتنميته».
قطاع لا يحظى بأي دعم رسمي حكومي، من دولة «لا تتذكّرنا إلا حين نرسل لإداراتها موازنتنا، لتحدّد الضرائب المتوجبة علينا» كما تقول رئيسة تعاونية عين عطا، أمية قاضي. دولة «تدعمنا بالكلام فقط، فلا تساعدنا على تسويق منتجاتنا ولا تدعمنا لتقليص مصاريفنا التي تتخطى المدخول» كما تكمل ندى عقل، أمينة سر تعاونية عين الوردة، جديتا.
دولة آن الأوان لتلتفت إلى مزارعيها وتقرّ خطة متكاملة لإنقاذ ما بقي من مواسم «لبنان الأخضر» الذي تتغنى به كتب جغرافيا، وتعتمدها في مناهجها المدرسية.