الحلقة الثانية من مراجعة ما توصّل إليه التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وجرائم أخرى تتناول صعوبات المحقّقين الدوليين اللغوية أثناء مقابلة شهود ومشتبه بهم رغم الترجمة. فمعرفة اللغة غير كافية لفهم معنى الكلام
عمر نشابة
يفترض أن يدرس عالم الاجتماع التفسير الثقافي السائد للمصطلحات المستخدمة في إطار بحثه العلمي. كذلك هو شأن المحقق الجنائي لا بل إن التعمّق في علم أساليب التعبير الثقافية (Ethnomethodology) يساعد مستنطِق الشاهد أو المشتبه به على كشف معان يحاول المستجوب إخفاءها. ويمكن أن يستدرج المحقق الدولي الذي يتقن اللغة العربية المستجوب ليصل بعد مقابلات عديدة إلى زلّة لسان تُعدّ مفتاحاً لمعلومات قيّمة. غير أن لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وجرائم أخرى عانت منذ انطلاقها نقصاً حاداً في الخبراء اللغويين ونقصاً في تنظيم معايير الترجمة. القاضي البلجيكي سيرج براميرتس كان أوّل من أشار إلى مسألة اللغة في تقريره الأول (الثالث بعد تقريري القاضي ديتليف ميليس)، إذ أعلن في الفقرة الـ110 عن «البدء بتطبيق إجراءات موحدة في إدارة الترجمة التحريرية والترجمة الشفوية لإجراء مقابلات مع الشهود والمشتبه بهم». اللافت في ذلك أن عمل اللجنة برئاسة ميليس كان يجري بدون وجود إجراءات موحدة في إدارة الترجمة ما يفقد المعلومات المستخلصة من المقابلات صدقيتها وقيمتها القانونية كأدلة جنائية.
التقرير الرابع (10 حزيران 2006) أشار بوضوح إلى النقص الذي تعانيه اللجنة في هذا الإطار، وإلى ضرورة معالجة هذا النقص بشكل طارئ، إذ جاء فيه «يمثّل تزويد قسم الخدمات اللغوية (العربية ــ الإنكليزية) بالموظفين أحد المجالات الأساسية التي ما زالت تثير الاهتمام بصورة ملحة، وتأمل اللجنة أن يسفر بذل جهد متضافر، عن توفير الأعداد التي هي بأمسّ الحاجة إليها من المترجمين التحريريين/ المراجعين والمترجمين الشفويين والناسخين وموظفي اللغات الآخرين المحنّكين» (119). أما التقرير الخامس (25 أيلول 2006)، فذكر أن اللجنة «زادت تدريجياً من قدراتها ومواردها» في مجال خدمات اللغات (8). غير أن النقص في فريق المتخصصين اللغويين لم يعالَج رغم إشارة التقرير السادس (12/12/2006) إلى «الجهود المتجدّدة» التي بذلت لزيادة قدرات اللجنة ومواردها تمكيناً لها من مواجهة التحديات الكبيرة المرتبطة بالتحقيق والتحليل والأمن والترجمة التحريرية/الفورية» (9). وجاء التقرير السابع ليعلن صراحة «لا تزال هناك مشاكل في ما يتعلق بتعيين موظفي اللغات الدوليين واستبقائهم، مثل مترجمي اللغة العربية الشفويين والتحريريين وناسخي التسجيلات بها. وتعاني اللجنة صعوبات جمة في العثور على المرشحين المناسبين للتوظيف» (107).
وعبّرت اللجنة عن قلقها المتفاقم من النقص في فريق الترجمة رغم تمكّنها من ملء بعض الشواغر. وذكر التقرير الثامن «مشكلة تعيين موظفي اللغات المؤهلين الذين ما زالوا يمثّلون عنصراً أساسياً من قدرة اللجنة على الاضطلاع بولايتها على نحو فعّال» (108).
أما التقرير التاسع والأخير للجنة برئاسة براميرتس، فجاء فيه أن اللجنة «لا تزال تواجه صعوبات في جذب ما يكفي من موظفي اللغات المؤهلين وإبقائهم لأغراض الترجمة الشفوية، والترجمة التحريرية للوثائق والبيانات من اللغة العربية وإليها ومراجعتها. وفي ﻧﻬاية الفترة المشمولة بالتقرير، كان يعمل لدى اللجنة ٢١ من موظفي اللغات الدوليين، من بينهم ٧ موظفين يعملون بدوام جزئي. ورغم اتخاذ بعض التدابير من أجل معالجة هذه الحالة، تشير اللجنة إلى أن ذلك كان مصدر قلق ولا يزال» (105).
القاضي الكندي دنيال بلمار قلق من مسألة اللغة وهو حريص على ان تُمنح هذه المسألة الانتباه الكافي بحسب ما تقتضيه المعايير المهنية والقانونية مع اقتراب انطلاق عمل المحكمة.


نظام الأدلّة بالأجنبي

يُنتظر أن تُصدر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان نظام الإجراءات والأدلة قبل انطلاق جلساتها وبعد اتفاق القضاة عليها. وكانت لجنة خبراء قد وضعت مسوّدة النظام باللغة الإنكليزية التي ستُعرض على القضاة فور تعيينهم رسمياً. غير أن بعض القانونيين الدوليين أعربوا لـ«الأخبار» عن قلقهم من مشاكل في تفسير وترجمة نظام الإجراءات والأدلة إلى اللغة العربية. ويستغرب هؤلاء عدم اعتماد اللغتين الرسميتين في لبنان، أي العربية والفرنسية.