خالد صاغيةمن المفهوم أن يثير الحديث عن تعديل الطائف اعتراضات كثيرة، إلا أنّه حديث لا بد من فتح أوسع نقاش حوله، لأنّه يمثّل لُبّ المشكلة اللبنانيّة اليوم، وهي سقوط التوافقات الدولية والإقليمية التي أدّت إلى توقيع الاتفاق وحمايته، وزوال المبرّرات السياسيّة الداخلية للقبول به، وغياب البوليس الإقليمي الذي يقمع الاعتراضات عليه. لكن ثمّة من لا يريد فتح الحديث، يريد الاستمرار في خوض الانتخابات النيابية تحت شعارات عَضَلاتيّة، كنزع سلاح حزب الله. الجميع يعلم أنّ هذا الموضوع مطويّ الآن، منذ السابع من أيار، لا بسبب ما حمله هذا التاريخ من عنف استخدمه حزب الله وحسب، بل لما يحمله هذا التاريخ من إشارة إلى تغيّرات في التوازنات الإقليمية والدولية سمحت للحزب بأن يفعل ما فعله. وحتّى التوافق على استراتيجيّة دفاعيّة يبدو مؤجّلاً حتّى إشعار آخر، وها هي طاولة الحوار تتأجّل بسبب ومن دون سبب كمن يريد أن يبعد كأس الحوار عنه.
لا مكان في عالم السياسة اليوم لمطلب نزع سلاح حزب الله، إلا بانتظار موجة أخرى من المتغيّرات في المنطقة وعمليّة السلام فيها. الاستمرار في توتير الأجواء تحت هذا الشعار يخدم فكرة واحدة: التعمية عن الأزمة الأساسية، عن أزمة النظام اللبناني والعلاقات بين طوائفه في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري.
قد لا يكون تعديل الطائف ممكناً اليوم، لكن لا يكفي أن يتغنّى المدافعون عنه بقدسيّته. عليهم أن يدلّونا على حلّ لمشكلة الصلاحيات والثغرات الدستوريّة التي ظهرت في السنوات الثلاث السابقة، وأن يعطوا جواباً للأكثرية المسيحية إن كانت هذه الأكثرية لا تزال ترى الطائف مهمِّشاً لها، وأن يقترحوا بديلاً من تقسيم العمل الشيعي ـــــ السنّي (المقاومة ـــــ الإعمار) الذي كان سائداً خلال الحقبة السوريّة.
لكنّ كلّ ذلك يراد له أن يُغفَل تحت شعار: لا مسّ بالطائف، والحلّ بالالتفاف حول الدولة. لكنّ الدولة عندنا ليست إلا دولة الطوائف التي لم يعد الطائف، مع الأسف، قادراً على صوغ علاقاتها.