محمد زبيبالبعض يغدق عليه صفات تفوق صفات البشر العاديين، وهو بذل، أصلاًً، جهداً غير مسبوق لتسويق نفسه بوصفه قديساً لا مجرد حاكم لمصرف لبنان... فهذا هو رياض سلامة، الذي لا يكفّ عن الإفراط في تقدير تفوّقه، معفيّاً من أي مساءلة، وعافياً كل الطبقة السياسية من التفكير حتى بالسؤال. لولا خلافه الشخصي المتجذّر مع فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة الحالي ووزير المال سابقاً، لكان صحّ القول بأنه الثابت الوحيد، في ظل التقلّبات داخل هيكل السلطة، والذي يحظى بإعجاب كل النخب الطامحة إلى خطب ودّه. فهي أخضعت له كل السلطات الأخرى، ومدّته باستقلالية و«تفرّد» لم تعرفهما الإدارة اللبنانية في تاريخها الحديث، ولا سيما في مرحلة «المحاصصة» وتناتش المؤسسات وتدميرها لوضع اليد عليها أو تجاوزها أو استبدالها... ويكاد رياض سلامة أن يكون الوحيد، من بين كبار الموظفين، الذي لم تضعفه التبدّلات السياسية الكبرى. فقد جاء به رفيق الحريري في عهد إلياس الهراوي، وجدد له سليم الحص في بداية عهد إميل لحّود، كما جدّد له نجيب ميقاتي عشية انتخابات عام 2005... هو صديق لسوريا، ولديه علاقات وطيدة مع الدوائر الفرنسية، ولم تغضب عليه الولايات المتحدة الأميركية، ولا مرّة، حتى في ذروة التستّر على فضيحة بنك المدينة.
طبعاً، هناك أثمان «تبادلية» لهذه الوضعية الخاصة، وهو عرف كيف يسددها بعد خبرة راكمها على مدى ستة عشر عاماً متواصلة قضاها على رأس السلطة النقدية، وهي الخبرة نفسها التي منحته القدرة على تسجيل الرقم القياسي في أطول مدّة يقضيها حاكم مصرف مركزي في منصبه، وهي أيضاً التي جعلته يطمح إلى عدم ترك هذا المنصب إلا لانتخابه رئيساً للجمهورية.
كل ذلك قابل للاستيعاب والتفسير، وخاصة في ظل «الأولوية النقدية»، المتزامنة مع سياسات «التبذير» و«السرقات»... والتي جرى تمويلها بمديونية عامّة تجاوزت قيمتها الفعلية 55 مليار دولار، وساهمت في إيجاد طبقة ضئيلة من المستفيدين على حساب عموم الناس... إلا أن رياض سلامة لا يقف عند حدّ في تباهيه. فالرجل بات يظنّ تجربته أكبر من لبنان، وآخر مقولاته غير القابلة للاستيعاب أو التفسير، تقول: «إن النموذج المرتقب عالمياً لنظام مالي أكثر حصانة سيكون قريباً مما هو معمول به في لبنان».