فايز فارسقبل الدخول إلى حلبة الاعترافات والاعتذارات والمصالحات الجديّة التي يطالب بها بعض السياسيين وغير السياسيين في لبنان، تعالوا إلى البدايات التي تأسست عليها كل الحالات الشاذة التي نعيش في ظلها منذ قرن كامل قبل التركيز على الحاليات.
أولاً: على حكومات بريطانيا وفرنسا وأميركا الاعتذار الشديد من الشعوب العربية، لأنها عملت على تقسيمها إلى قطعان موزّعة على دويلات استناداً إلى اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة، وسهّلت كل عمليات الغزو الصهيوني لفلسطين، وشاركت في اضطهاد ملايين الفلسطينيين واللبنانيين وقتلهم وتهجيرهم وتشريدهم، والتعويض عليهم بكل الأشكال المعروفة والمتاحة، استناداً إلى شرعة حقوق الإنسان العالمية.
ثانياً: على حكومات إسرائيل الإقرار بأنها استغلت الظلم الكبير الذي تعرّض له يهود أوروبا خلال القرون الماضية، وابتزّت شعوب الدول الأوروبية والأميركية وحكوماتها التي سارعت إلى تبنّي المشروع الصهيوني... وعليها أن تبادر إلى القبول بحل عادل وشامل من أجل إنهاء الصراع القائم بين يهود إسرائيل وعرب فلسطين، مسيحيين ومسلمين.
ثالثاًً: على الحكومات العربية الاعتراف بأنها أخطأت طويلاً في إدارة الصراع العربي الصهيوني، وأخفقت في تنمية مجتمعاتها وتحصين إنسانها وتحقيق وحدة عربية ما، وبأنها سقطت في أفخاخ الطائفية المدمّرة للهويات الدينيّة والوطنية والقومية، التي من دونها لا قيمة لأي مظهر من مظاهر النمو والازدهار في مجتمعاتنا العربية.
رابعاً: على أمراء الحروب اللبنانية كافة الاعتراف بأنهم شاركوا في إشعال كل هذه الحروب العبثية المدمّرة في حق شعب أعزل إلا من كرامته وتمسكه بالأرض وتعلّقه بالقيم التي ورثها عن آبائه وأجداده... قبل الاعتذار العلني الصريح مع وعد صادق بطيّ صفحة الماضي والعمل بجديّة على تحقيق التغيير اللازم والإصلاح الضروري وإتمام المصالحة الفعليّة عمودياً وأفقياً.
خامساً: على أعضاء الحكومتين اللبنانية والسورية ومن يدور في فلكهما إيقاف مسلسل السجالات وتبادل التهم والشتائم بانتظار جلاء كل الحقائق التي يتوق الشعب اللبناني إلى معرفتها، وبالتالي العمل على إشاعة جو من الهدوء والسكينة وراحة الأعصاب، وإطلاق ورشة بناء علاقات سياسيّة جديدة ترتكز على ديموقراطية حقيقية، وتنفيذ خطة إعمار وإنماء متوازن تشمل كل لبنان، بحيث تجد أرواح شهداء آذار ومعهم كل شهداء لبنان الراحة والسكينة. أفلا يحق للأحياء الباقين في هذا البلد المنكوب العيش الكريم بعد عقود من القهر والظلم والأكاذيب؟
سادساً: إن الاستقبال الرسمي للعماد ميشال عون والوفد المرافق له في دمشق قد اتسم بالصدق والشفافية، والترحيب الشعبي الذي حظي به خلال زيارته للأماكن المقدسة المسيحيّة والإسلاميّة المنتشرة في طول البلاد الشاميّة وعرضها لم يخلُ من العفوية التي اشتهر بها السوريون... مع العلم أن العماد عون لم يكن يوماً حليفاً أو صديقاً لمن حكموا لبنان خلال ثلاثين سنة متواصلة، لا بل كان خصماً حقيقياً ومعارضاً عنيداً ومقاوماً شرساً في مواجهة أمراء الحرب المدمّرة والسلم المزيّف من اللبنانيين والسوريين الذين كانوا أكثر من حلفاء، وأكثر من شركاء!
سابعاً: يبدو أنّ زيارة العماد عون إلى إيران وسوريا، تعني أن مرحلة ماضية قد طويت، وأن على زعماء لبنان التحلّي بما يلزم ويكفي من الجرأة واتخاذ القرارات الجديدة المناسبة من دون العودة إلى «ساكن البيت الأبيض» الذي يكاد يجد الوقت الكافي لمراجعة ملفّاته وحزم حقائبه استعداداً للمغادرة نهائياً.