عين الحلوة ـ خالد الغربيلا يُغري الدعاء بطول العمر أبو فوزي شعبان. فهذا الثمانيني الذي يعيش في مخيم عين الحلوة ينهمك بموته أكثر مما تشغله حياته، بعدما «اشتعل الرأس شيباً وقد بلغت من الكبر عتياً» كما يصف نفسه التي يمنّيها بنقل رفاته ذات يوم إلى بلدته حطين التي غادرها، وكان لا يزال شاباً في مقتبل العمر، والتي «سيأتيها صلاح الدين آخر ليحررها من الصهاينة» كما يقول.
أمس، حضر أبو فوزي بكامل أناقته: حطة وعقال وذقن حليقة، ليشارك في الاعتصام الذي أقامته لجان حق العودة التابعة للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين عند مدخل المخيم.
اعتصام أقيم لمناسبة ذكرى صدور القرار 194 الذي ينص على حق عودة اللاجئين، وذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حمل خلاله أبو فوزي بندقية كلاشنيكوف لأن «الكفاح المسلح يبقى الطريق الوحيد لتحرير فلسطين» كما يؤكد، ذاكراً أنه قد أسقط غصن الزيتون من يده بعد عام واحد فقط على توقيع اتفاق أوسلو «لأنني يا سيدي (جدي) أدركت أن الإسرائيليين لا يريدون السلام، وأن القرارات الدولية لا تنفذ إلا إذا كانت ضد العرب».
شاركت في النشاط وجوه اعتادت المواظبة على حضور اعتصامات الجبهة الديموقراطية. اعتصامات يئس منها البائع مصطفى جمعة الذي عبر الاعتصام دافعاً عربته الممتلئة بتنكات فارغة: «أكتر من الاعتصامات الله ما خلق. مش طالع بإيدنا شي تاني»، مترحّماً على الدور الذي كان يؤديه مخيم عين الحلوة وانتهى اليوم «عين الحلوة أبو الثورة وخزانها قدم مئات الشهداء من أجل فلسطين، اليوم مش قادر يقدم إلا الخطابات».
على الأرض، مُدِّد علمان كبيران: أميركي وإسرائيلي، تصرّف المصمّم بهما، فأضاف إليهما شعارات النازية التي استفزّت محمود عمار، فقال معلقاً: «يا محلا جرائم النازية أمام جرائم الصهيونية». في تلك الساحة، انتظر العلمان فض الاعتصام لحرقهما، في طقس أصبح بمثابة «المقبلات الأساسية» لأي اعتصام، إلا أن إغواء عدسات الكاميرا المصوّبة بترقب نحوهما كان أقوى من الاكتفاء بالمشهد الكلاسيكي، فاعتمد أحد الشبان أسلوب «أكشن» جديد، إذ ملأ فمه بمادة المازوت وبصقها مشعلاً ولاعته باحتراف جنّبه شرّ وصول النار إلى فمه.
الفتيات أيضاً شاركن في الاعتصام. حملن لافتات أكّدن فيها رفض التنازل عن حق العودة المقدس «غير القابل للصرف أو المقايضة وغير القابل للتفاوض أو التنازل» وعلى أن «أحلامنا لا تتحقق إلا فوق أرض الآباء».
أما الكلمات، فكان للمخيم نصيب منها، إذ دعا المتحدثون إلى أن «تبقى عين الله عليه، لتبقيه آمناً مستقراً».