إيلي شلهوبيبدو واضحاً أن الأنظمة العربية تعاني مرضاً مستعصياً، أصيبت بالفيروس المسبب له مع نكبة 48 وتفاقم مع الهزائم المتتالية، إلى حد تملك بجهازها العصبي وهيكلها العظمي واستوطن دمها ونخاعها، فبات جزءاًً لا يتجزأ من كينونتها. مرض سرطاني مزمن ثبت أنه لا يميت، لكن الشفاء منه يبدو مستحيلاً؛ حتى ترياقا الانتصارين لم ينجحا في الحد من انتشاره. داءٌ يأخذ أشكالاً متعددة، بحسب الظروف والتوقيت، بينها الانهزامية والتسليم والاستسلام وتوسل الأمن والأمان واستجداء عطف «الكبار» والانحناء أمام رغباتهم؛ كما يعبر عن نفسه بطرق مختلفة، بينها الهرولة نحو التطبيع، ولو عبر لقطة مصورة أو مصافحة عابرة، والاستماتة في إظهار الكرم العربي (صفقات الغاز المصرية مع إسرائيل) والتبرؤ من المقاومة وتخوينها (في لبنان) ومحاصرة أهلها وتجويعهم (في غزة)، ناهيك عن المبادرات السلمية التي لا ينفك «الأجاويد» يطلقونها.
علّة آخر تجلياتها تلك الرسالة غير المفهومة، لا في توقيتها ولا في ملابساتها ولا في غاياتها، التي بعث بها وزراء الخارجية العرب، ممثلين بسعود الفيصل وعمرو موسى، إلى باراك أوباما. ورقة اعتماد لدى الإدارة الأميركية المقبلة كل الغاية منها تأكيد «الاستعداد العربي لإقامة سلام عادل ودائم مع إسرائيل طبقاً لمبدأ الأرض مقابل السلام وقرارات الأمم المتحدة، ووفقاً لمبادرة السلام العربية ومتطلباتها».
وكأن هناك في العالم من لا يزال يشكّك في رغبة الحكام العرب ببذل الغالي والنفيس من أجل «الخلاص» من القضية الفلسطينية. وكأن إعلانات النيّات المتكررة منذ قمة بيروت وحتى الأمس القريب لم تكن كافية لإيصال الفكرة. وكأنه ليس هناك مليون ونصف مليون فلسطيني ينازعون البقاء، للصراخ في وجه السيد المقبل للبيت الأبيض من أجل النظر في حالهم.
رسالة استجداء جديدة تأتي في وقت يزداد فيه حكام إسرائيل غطرسة وعجرفة: عتاة اليمين يهيمنون على «الليكود» ويزايدون على بنيامين نتنياهو، فيما تسيبي ليفني تقولها جهارة: «لست بحاجة إلى مبادرات سلام جديدة، لا عربية ولا فرنسية».
إنها الحقيقة المرة التي لا بد من الاعتراف بها: حكامنا لا يزالون شحاذين يا عرب.