رفيق صالحأعرفك يا أُنسي وأعرف أن فيك جرحاً، بالدم النازف منه تكتب. هناك صراعٌ بين الحريّة والإيمان، بين الشعور بالمطلق وكفّ يد المطلق عن أي تدخّل في ما تعتبره حريّة الفرد. ولهذا أنا أحبّك دائماً وأختلف معك دائماً.
أحبّك لأنك تملك الجرأة أن تمثّل خَزَفِيّتي، وفيك القماشة أن تمثّل حلمي، وأختلف معك لأنك تقف دون هذا الحلم.
في مقالك «مجازفة عون» سأتناول نقطتين:
حين تقول: «يستطيع شخص بزعامة عون أن يؤثر في التاريخ شرط أن يراعي معطياته. إن بين المزاجين اللبناني والسوري فروقاً أساسية رسمتها الصحراء من جهة والبحر من جهة، وعمّقها السلوك والتراث ثم ترسيخ العادات. لذلك إن ما كان محرّماً، كما قال العماد، لا يمكن أن يصبح حلالاً لمجرد أن الجنرال كبس الزر».
أفهم منك، حين تقول ذلك، أنك تؤمن بأن السياسة هي فنّ الممكن، وأختلف معك من حيث أن الممكن ليس الواقع الهزيل، غير المنفتح على الحلم، الحلم الذي يُسعد الشعب بأن يكون مستعداً أن يكرّس لتحقيقه أجيالاً. ولكن لأن وزن الشعب فيه، فهذا الشعب قادر بالتأكيد على اجتراح أعجوبة اختزال الزمن».
إذاً أنت تريد أن تكفّ يد المطلق عن السير بنا إلى «الجديد» «الغائب عن الاهتمام»، الذي يمثّل أفضل ما فينا، وقد باركته في الكلام عمّا يُشبه «مجازفة» عون مع حزب الله. (أقول هذا وأشعر كأنني أبشّر قدّيساً).
وتسأل: «ماذا سيربح اللبنانيون؟». أنا أقول لك انطلاقاً أولاً من إيماننا بأن لنا الحق بل علينا الواجب بمطاردة الحلم. وثانياً، بأننا لا نعيش حقيقةً إلا عندما نتشارك مع المطلق في تغيير الوجود، حاملين دائماً المجازفة التي تهدّد الحياة، وعن طريقها فقط نشعر بالحياة وبقدسيتها.
ماذا سيربح اللبنانيون؟ الجواب: سيربحون أنفسهم والعالم، لأنهم يُرَوحنون هذا العالم، ولذلك يقدّسونه بالتفاصيل وتصبح حياتهم مرتبطة بتقديسهم إيّاه لهم ولغيرهم. وهكذا يدخلونه مطمئنين ويكفّ عن أن يكون افتراضيّاً لأنهم يهبون الناس سعادة السيطرة عليه، فلا يهم هؤلاء الناس أي شيء بعد اليوم، حتى خسارة العالم كله، إذ يكونون قد ربحوا أنفسهم.