الأم مثال العطاء والتضحية، رافقتنا هذه العبارة في كتب القراءة، وفي القصص والمسلسلات وأحاديث الكبار والجيران والمعلمين والمعلمات، ولكن هل هذا التوصيف ما زال صحيحاً؟مجلة «psychologies» الفرنسية نشرت ملفاً عن الأمهات السيئات، والمقصودات هنا لسن الأمهات اللواتي يُسئن إلى أولادهن دون قصد منهن، بل تركّز الملف على شهادات أمهات لا يفتخرن بالأمومة، ولا يرين أن الاعتناء بالأطفال مهمة مقدّسة.
«أمي قالت لي إن فترة الحمل كانت من أجمل أيامي حياتها، أما أنا، فعندما كنت حاملاً بطفلي شعرت بأنني حيوان وحشي»، هذه العبارة تردّدت على ألسنة عدد من الشهادات، التي استُقيت في الملف، الذي ارتكز في جزء كبير منه على كتاب صدر أخيراً بعنوان «أمهات سيئات: كل الحقيقة بشأن الطفل الأول»، وقد شاركت ست نساء (أمهات) في كتابته.
تسعى الكاتبات إلى التأكيد أن الأمومة ليست متعة ولا ممارسة سهلة. وفي قراءة تحليلية للكتاب كتبت المعالجة النفسية كاترين ماتلين فانيه «التعاطي مع الصور الحقيقية للأم ما زال من التابوهات، الأم يجب أن تكون سعيدة ومعطاءة في أيامنا، فهي تنجب الطفل لأنها ترغب فيه، ولكن الاهتمام بطفل ليس أمراً هيّناً، وقد تضطر المرأة أحياناً إلى ضبط إيقاع حياتها كلها على وقع متطلبات الصغير».
إيما وناديا وجوهانا، من المشاركات في الكتاب، رفضن الانصياع للصورة «التقليدية» للأم، وأعلنّ في الكتاب مخاوف واحتجاجات وهموماً تخاف النساء الأخريات الإدلاء بها، قلن إنهن يشعرن أحياناً بالعجز «لم أعد قادرة على الاستمرار، وأشعر بأني ضائعة، أخرج مسجل الأغاني، أشغله، فلا أعود أسمع عويل طفلي، أشعر بالملل الكبير وأنا أراقب طفلي نائماً، وأشعر بانزعاج إذا بقيت معه طيلة اليوم».
«الأم المثالية» غير موجودة، تقول الكاتبات الثلاث «إنها مجرد صورة اخترعتها المجمتعات المختلفة وكرّستها عبر العصور»، فمن الجمل التي تلاحق الأمهات في هذه الأيام تلك التي تتهمهنّ بإهمال أولادهن كـ«عودي إلى المنزل لتبقي إلى جانب صغارك»، و«أنت لا تبذلين الجهد الكافي لرعايتهم»، كأن المرأة حين تصبح أماً تصير مسؤولة عن كل أمور المنزل، وهذا ما تشكو منه «الأمهات السيئات».
الأسوأ بالنسبة إلى أولئك السيدات يتمثل في عبارات ترد في الكتب المخصصة لتحضيرهن لمرحلة الأمومة، ومنها مثلاً «على أي حال، أنت الأم، وتعرفين كيف تواجهين كذا وكذا...»، والغريب أن معظم الأمهات الجديدات لا يعرفن كيفية التصرف في أمور عديدة تخص أطفالهن الرضّع.
وتشرح كاترين ماتلين فانيه أن «الأم السيئة» هي تلك التي لا ترغب في الاهتمام بطفلها، أما الأم التي تشعر بأنها تعجز عن القيام بكل المهمات الخاصة به، والتي تلوم نفسها أو تطرح السؤال عن عجزها «فهي بالتاكيد ليست أماً سيئة».


عن الصورة المثالية

«الأم المثالية» تنتمي إلى عالم الخيال، إلى الأفلام والمسلسلات، ولكن على المرأة أن تقرّ بأنّها لا تتمتع بإمكانات خارقة، لذلك فهي لن تكون مثالية في تعاملها مع أطفالها، كما تؤكد كاترين ماتلين فانيه


التجربة الثانية

التعامل مع الطفل الأول مسألة صعبة، لذلك تنوي بعض «الأمهات السيئات» تخصيص وقت أقل للطفل الثاني، والتعامل معه بـ«عقلانية»، فالتضحية بالحفلات مقابل السهرات إلى جانب سرير الطفل «لن تكون خياراً صحيحاً»!