أصدرت أمس مؤسّسة «شاهد» لحقوق الإنسان تقريراً بعنوان «الأونروا وحقوق الإنسان نحو مقاربة الحقيقة». وتسلّط الدراسة الضوء على تداعيات قانون «الحصول على الانضباط داخل بيئة تربويّة خالية من العنف» الذي عمّمته الأونروا على المدارس التابعة لها والذي يثير جدلاً عميقاً في المخيمات الفلسطينية
راجانا حمية
يومئ أحمد (اسم مستعار لتلميذٍ من مدرسة الجليل التابعة لدائرة التربية في وكالة «الأونروا») بيده للمدرّس الواقف عند باب صفّه. يقترب المدرّس من أحمد بهدوءٍ خوفاً من إزعاج التلامذة المنكبّين على حلّ مسابقاتهم. يطلب التلميذ إذناً للخروج للمرة الثالثة إلى باحة المدرسة قليلاً، فما كان من الأخير، الذي عيل صبره من تصرّفات أحمد اللامبالية، إلا الصراخ في وجهه وسحب مسابقته. فما كان من المراهق إلا أن .. ضرب المدرّس على رأسه بقسوة حتى كاد يسبّب بمقتله. مثل هذه الحوادث تتكرر منذ فترة. والسبب؟ تعيده جمعية «شاهد» لحقوق الإنسان إلى تعميم لـ«الأونروا» وزع بداية العام في جميع مدارسها يحرّم العنف في مدارس الأونروا، لكنه يتوجّه أساساً إلى الأساتذة وبصورة أقل بكثير إلى الطلاب، ما جعل هؤلاء يشعرون بنوع من «حصانة» دفعت العديدين إلى ممارسة عنف يشتكي منه الأساتذة اليوم في ظل غياب رادع فعلي للطلاب من جهة، وتخوف حقيقي للأساتذة من فقدان عملهم من جهة أخرى.
لم تكن هذه الحادثة، التي حصلت الأسبوع المنصرم، طارئة في «الجليل» أو في غيرها من المدارس التابعة للأنروا، لكنّها بعد إلصاق نصوص تعميم الأونروا لقانون حقوق الإنسان في جميع المدارس ( اسمه «إي تي آي رقم 1/2008، للحصول على الانضباط داخل بيئة تربوية خالية من العنف») تكاثرت هذه الحوادث واشتد عنفها. فهل استند الطلّاب إلى «الحصانة» التي منحتهم إيّاها الأونروا للانتقام من أصحاب «العصاية» (الأساتذة كما يصفهم الطلّاب)؟ وهل يسهم القانون نفسه في «خلخلة» البنية التربويّة للفلسطينيين، وخصوصاً أنّ معدّلات النجاح انخفضت إلى ما دون 40% حسب التقرير الذي تصدره اليوم مؤسسة «شاهد» بعدما كانت تفوق 75% قبله؟
لا بدّ بداية من القول إن هذا القانون الذي صدر قبل 3 سنوات من تعميمه لم يف بالنتيجة بما وعد عنوانه «إنهاء العنف بين الطلبة وضد الطلبة وضدّ المعلمين». فغالبيّة بنوده، إن لم تكن جميعها، جاءت لمساندة الطالب على حساب المدرّس، ما جعل العنف يزداد تجاه الهيئة التعليمية التي لم تعد لديها الرغبة ولا القدرة على ضبط التلامذة كما يقول بعضهم لـ«الأخبار». والقانون مؤلّف من6 أقسام تحت عنوان «سياسة الحفاظ على الانضباط المدرسي، واحترام حقوق الإنسان»، وبموجبه يمنع «أي نوعٍ من العقاب ابتداءً من الضرب والصفع والركل والقرص، مروراً بالحرمان من الوصول إلى المراحيض أو تناول الطعام أو الدواء، وصولاً إلى التلويح باستخدام القوة البدنية واستعمال الألفاظ البذيئة أو حتّى الإيماءة الغاضبة». واستحدثت الأونروا بضع استراتيجيات لتعزيز الانضباط، ومنها إنشاء برلمانات للطلّاب، يستطيعون من خلالها تقديم شكواهم ضدّ إدارة المدرسة والمدرّس مباشرة إلى مسؤولي الأونروا. وإذ تفرد الأونروا قسماً خاصّاً بالعقوبات التي تتّخذ في حقّ الطالب، إلا أنها أخف من تلك التي تقع على الأستاذ، ما يحدث اختلالاً في تطبيق النظام. ففي حال «إثبات أنّ العقوبة (التي أوقعها الأستاذ على التلميذ) تخالف اتّفاقية حقوق الطفل تُتّخذ في حقّ المدرّس إجراءات تبدأ بالإنذار الخطي ، وذلك بناءً على قرار لجنة التحقيق الخاصّة بدراسة الشكاوى». أما الطالب فيأخذ فرصة 3 تنبيهات شفوية، ثم إنذار خطي.
«لا يصلح الكلام عن حقوق الإنسان في المخيّمات المحرومة من جميع الحقوق، فالعنف في المخيّمات أمر طبيعي نتيجة الظروف»! كما يقول مدير مدرسة لـ«الأخبار»، ويدعم «نظريته» بالقول إنّه حاول يوماً أن يترك «العصا»، فكانت الحصيلة «20 حادثة، من بينها حادثة طعنٍ بالسكّين في غرفة الصف». يؤمن هذا المدير بحقوق الإنسان، ولكنه لا يؤمن بـ«المنع التام للعقاب».
هذا ما يطلبه معظم الأساتذة. ويروي أيمن (اسم مستعار) أنه لم يستطع طرد تلميذه الذي امتنع عن أداء فروضه لأسابيع، فالأخير هدّده «إياك يا أستاذ، كلها 4 آلاف (أجرة السرفيس) بنزل من صور وبشكيك للأونروا وبخرب بيتك».
ومع أن الطلاب فرحون بالحصانة المجّانية التي منحتهم إيّاها الأونروا، إلا أنّ بعضهم يرى أنّ للقانون حسناته وسيّئاته، فبحسب ساجدة رميّض (البرج الشمالي) هو «يعزّز الحوار بين الأستاذ والطالب، فلا تعود العصاية تحكم علاقتهما». لكنه «شوي مثالي، فبعض الطلاب لن يتعلّموا دون عقاب، ولا مانع من ضرب من نوع ضربة الأم». لكن أهم جهة لم يعجبها القانون كانت.. معظم أولياء الأمور، الذين فوّضوا الأساتذة «النضال ضد القانون، لأنّ الولد ما بيتربّى من دون كف».


تواقيع لوقف القانون

لا يجد أساتذة المدارس التابعة للأونروا سبيلاً سوى مواجهة القرار جماعيّاً، فقد عمد قطاع المعلّمين إلى تنظيم حملة تواقيع، شارك فيها حوالى 3 آلاف مدرّس ورفعوها إلى المدير العام للأونروا لوقف تطبيق القانون. وتهدف الحملة إلى إعادة دراسة القانون وإجراء بعض التعديلات في ما يتعلّق بأساليب العقاب الممنوعة