لا تقتصر ليالي الطلاب الذين اتخذوا من السكن الجامعي في مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث على الدرس والنوم، إذ تتميّز أمسيات الطلاب المختلفين بسهرات حب وتثقيف سياسي ومحاولة «شدّ» وجذب مناصرين جدد إلى الأحزاب السياسية الفاعلة في أروقة الكليّات نهاراً
محمد محسن
يرمي الليل عباءته على أبنية كليّات الجامعة اللبنانية المختلفة في مجمع الحدث الجامعي، لكن الحياة هناك لا تغفو. في السكن الجامعي، تبدأ حياة أخرى، تظهر تفاصيلها مع إنهاء ساكنيه دوامهم اليومي في كليّاتهم. ثم إنّه يمكن وصف نمط الحياة الليلية في السكن بالفسيفساء، فهو ليس موحّداً بالنسبة إلى كل الطلاب.
تكتظ الباحة الخارجية للسكن بالطلاب ابتداءً من السابعة مساءً، حيث ينهي هؤلاء فترة من الراحة، استعداداً لجلساتٍ يومية بدا واضحاً أنهم يمنحونها قسطاً وافراً من اهتماماتهم، فيجتمع أبناء القرية الواحدة بعضهم مع بعض، كما تجد نفسك أمام صداقاتٍ تُبنى في الجامعة وتستمر في السكن.
تخرج ثلاث فتيات من بوابة السكن الرئيسية، يرتدين ثياباً رياضية ويتمشين بسرعة. «نحن من سكان المجمّع، الليل هنا فسحة جميلة للتريّض، وخصوصاً حين لا يكون الطقس ماطراً»، تقول مروة خليفة من معهد العلوم الاجتماعية. تشرح صديقتها سهام عسيلي أنّ طبيعة اختصاصهن تسمح بتمرير بعض الوقت بعيداً من متابعة دراسة المقررات يوميّاً.
تعبّر مروة وسهام عن حال الكثيرين من «نزلاء السرور» في السكن الجامعي، ممّن لا تستهويهم أروقة السكن أو ملعبه، فيفضّلون الخروج إلى حدائق المجمّع وطرقاته الواسعة لممارسة هواياتهم وقضاء الوقت. يمثّل ليل السكن الجامعي بالنسبة إلى هادي كركي، الطالب في كليّة العلوم مساحةّ مشتركة مع الكثيرين من زملائه الذين يعملون مثله بعد انتهاء دوامهم الجامعي، إذ «لا يمكن أن نجتمع إلّا في مثل هذه الأوقات».
كذلك تشهد إحدى زوايا الكافيتيريا ولادة قصة حبٍ في أيامها الأولى، وهنا يصعب على أيمن وسماح الخلود إلى النوم «قبل أن يطلع كلّ منا حبيبه على مجريات يومه الطويل»، تقول سماح. رغم أنّهما «تعبانين وبحاجة إلى كم ساعة نوم». بعيداً عن الحب والشعر الارتجالي الذي يلقيه الشبان لبعض الطالبات في ليالي السكن الجامعي الطويلة، يرصد الزائر محاولاتٍ حثيثة تقوم بها عناصر الأحزاب السياسية لاستقطاب بعض الطلاب. ويجري الأمر عبر نقاشات طويلة مع الشبان المختلفين في السكن، أو دعوة إلى السهر مع الشبان والصبايا الحزبيين، أو مع الشبان وحدهم لإغرائهم بالحزب الذي يتبعونه.
يتحدث طالب رفض الكشف عن اسمه، وهو من المسؤولين الحزبيين الفاعلين، في إحدى الجلسات، عن عمل الأحزاب في السكن الجامعي. يعتقد أنّ هذا العمل امتداد لدور الأحزاب في النهار في الجامعات المختلفة. «نحن كتنظيمات سياسية نجد في السكن فرصةً لشدّ الشباب إلى صفوفنا»، كما يقول. ويوضح الشاب أنّ صراعاً خفيّاً بين الأحزاب هدفه استقطاب أكبر عددٍ ممكن من العناصر، تدور مجرياته في أروقة السكن الطلابي، وخصوصاً في أوقات الليل «بعد أن نمهّد الأمر في الجامعة في ساعات النهار». ينهي المسؤول الحزبي كلامه ويتوجّه إلى ما سمّاها «حلقة نقاش» مع دعوة إلى الحضور «شرّفنا إذا بتحب».
تستكمل شريحة أخرى من الطلاب رسم فسيفساء الحياة الليلية في السكن الجامعي، إذ لا يمكن إغفال المهتمّين بدراستهم، وهم على قلّتهم في الأوقات العاديّة، لا يزعجهم إطلاق زملائهم بعض الألقاب عليهم كـ«الطفايات» أو «أكّيلة الكتب»، وهم في غالبيتهم يدرسون في اختصاصاتٍ علميّة تحتاج إلى متابعةٍ يومية، لذا لا يستطيعون السهر في الباحة أو حول حدائق السكن، إلا في ما ندر من الأوقات.


مطاردات طلابية لجلسات الحب

عندما تصبح الساعة الحادية عشرة ليلاً يستعد المسؤولون عن أمن السكن الطلابي في الجامعة لإقفال الأبواب، فيخرج الزوار ويدخل الطلاب إلى المبنى ويتابعون سهراتهم في الداخل. يبقى بعض الشبان والشابات في الخارج إلى ما قبل موعد الإقفال بقليل، يجلسون تحت بعض الأشجار البعيدة عن مرمى النظر، أو قرب درج كلية الفنون، هناك يتعانقون ويتبادلون القبل. يقترب بعض الشبان من «الكوبلات» يتحدثون قليلاً في ما بينهم، فينفرط عقد الرومانسية، بحجّة أن موعد الإقفال اقترب. لكن بعض الطلاب يؤكدون أنّ الشبان الذين اقنعوا زملاءهم بالعودة إلى السكن، هم أعضاء لجان خاصة ألّفت ببعض المبادرات الفرديّة أو الحزبية، لمنع المظاهر «غير الأخلاقية» بطريقة لا تلفت انتباه أحد.