صابر الطيب كعادتنا كل يوم، نستيقظ صباحاً ونجلس على فنجان قهوة، بما يسمى بالصبحية، ونبدأ الأحاديث، ولأننا شعب ينعم بالرفاهية، نبدأ حديثنا بالهموم اليومية والمصاريف والأقساط الشهرية، ومن ثم أحاديث عن الناس وأخبارهم السرية والعلنية، ومن ثم نناقش الأخبار الدولية والمحلية... ينصرف الرجال إلى أعمالهم، همّهم سد الفراغات المالية، ولأننا نحب العنجهية نركب بالتقسيط أفخم سيارة حتى أنهكت رجالنا ونساءنا الكمبيالات الشهرية والفوائد السنوية.
تستكمل النسوة الصبحية وهنّ يستمعن لشيف طبخة غربية، يناقشن ويحلّلن السياسة العربية، ويصدرن قرارات كقرارات جامعة الدول العربية، وقد يضعن التشكيلات الحكومية واللوائح النيابية ويعلقن على التصريحات السياسية، ثم ينتقلن إلى الأزياء العالمية، وفي النهاية الطبخة الأميركية أو الأوروبية وطبعاً لا ننسى البيتزا الإيطالية.
أما الأعمال اليومية فهي كما هي شركات ومضاربات مالية، وفي البنوك تدار أرصدة منظمات وأحزاب سمّها استقلالية وأعلى رتبة سيادية، وشاطر منها مَن يتاجر بالقضية... الوطنية.
وكل جهودنا بذلناها لرضى السيدة العالمية، أعني الولايات المتحدة الأميركية، فوقّعنا صكوك ذل شعبنا والتآمر على قضيتنا، فوقّعنا بأقلام فرنسية قدمتها حسناء أميركية تفوح منها العطور الإنكليزية، ونخب الاتفاق كؤوس فودكا روسية مع بعض من المازات الصينية، إنها منتوجات في عالمنا العربي دائمة العضوية، والباب مفتوح لباقي المنتجات لتكسب العضوية.
في نهاية المطاف، نعود إلى منازلنا وقد أنهكتنا القضايا والهموم والمشاكل اليومية، وخاصة المسؤولين منا، فقلوبهم مفعمة بالإنسانية، نجلس في سهرتنا وخاصة الشباب منا مع نارجيلة معسلات مصرية وخليجية، كما لا ننسى النارجيلة العجمية، وعلى الشاشات الفضائية نشاهد أفلاماً ومسلسلات مكسيكية وتركية وغربية مدبلجة إلى العربية، وتنشب على خلفياتها المشاكل العائلية، وعندما نتمسك بتقاليدنا ونخوتنا العربية نشاهد حفلة تحييها راقصة شرقية، عفواً فنانة شرقية، يضيع معها الشباب في أحلام خيالية.
وفي ختام حياتنا اليومية، نخلد إلى النوم ونحلم أحلاماً سرمدية على وسائد حريرية، ونحلم سراً، خوفاً من أن تسرق أحلامنا خلافات الزعامات ومَن يترأس القضية، ونستيقظ في الصباح ونحن على فنجان قهوة نقلّب بالريموت كونترول القنوات الفضائية، وقد نسأل عن القضية ونسأل لماذا لم يفك الحصار عن غزة العربية، ونشتم ونلعن ثم نقول أين الجيوش العربية... هذه حالنا.
غزة قدرك الحصار وأنت الأبية، أما أحوالنا فلا تخفى عليك، فقد أضحت علنية.