حين يتعلّق إنجاز معاملات كل أهالي غرب بعلبك القانونية، بموظف واحد في دائرة الأحوال الشخصية في شمسطار، وبما تحاول سجلاتها الرسمية الورقية المهترئة حفظه في داخلها من أسماء وتواريخ، فتلك فضيحة. أما حين تدوم الفضيحة بسبب إهمال تاريخي اعتادته دولتنا العلية، فمعنى ذلك تحوّلها إلى مصيبة تسبب معاناة للمواطنين وربما أكثر من ذلك مع الانتخابات ومتطلباتها التي باتت قاب أسابيع
البقاع ــ رامح حميـة
وكأن دائرة نفوس شمسطار ينقصها هموم حتى تنعم الدولة عليها بمشكلة إهمال تعيين موظفين لها. وكأنه لم يكفها «صيت الرشوة» الذي يتناقله الناس، والخزائن الرمادية الصدئة، وإرباك السجلات المهترئة التي حفظت أسماءً وغابت عنها أسماء أخرى، حتى زاد الطين بلّة افتقارها منذ أيلول الماضي إلى الموظفين المولجين إنجاز المعاملات القانونية لحوالى 95 ألف مواطن في غرب بعلبك. فبعدما تقاعد موظفون في تموز 2007، نُقل موظف تأديبياً إلى زحلة، وأوقفت أخرى عن العمل تأديبياً، وبقي إنجاز المعاملات على اختلافها على عاتق موظف واحد ورئيس بالتكليف، وبالتالي خُذ أيها المواطن أكبر قدر ممكن من المشاحنات والمناكفات اليومية، لإنهاء أبسط المعاملات: بيان قيد إفرادي.
تأسست دائرة نفوس شمسطار في تموز 1963 وتدخل ضمن نطاقها الإداري ستّ وعشرون بلدة وقرية في غرب بعلبك، بدءاً بتمنين جنوباً، مروراً بقرى حوش سنيد وحزين وعين السودا، وصولاً إلى مزرعة الضليل المجاورة لبلدة بوداي، وما يقارب 95 ألف نسمة مسجلين فيها، وجميعهم يحتاج إلى معاملات على اختلافها، فما بالك وأنت على مقربة من الانتخابات النيابية ولوائح شطبها ووقوعاتها وتصحيح الأعمار وغيرها من المتطلبات.
مصدر رسمي في قائمقامية بعلبك أكد لـ«الأخبار» أن هناك «محاولات حثيثة والكثير من المراسلات لوزارة الداخلية لتقديم المساعدة ضمن الإمكانات المتاحة»، وذلك بغية تسهيل أمور الناس. ولفت المصدر إلى أن «المكننة والتطوير ستقتصران على طريقتين: استنساخ الملفات «المهترئة» من جهة، وإعادة تكوين ملفات أخرى». وأضاف إن وزير الداخلية أكد «التعاقد مع موظفين لإنجاز المعاملات الانتخابية»، وخاصة أن هذا الوقت «يمثّل ضغطاً كبيراً على الدوائر الخمس للأحوال الشخصية في بعلبك الهرمل، وأنه سيجري افتتاح دائرة جديدة في بلدة طليا قريباً للتخفيف عن المواطنين». ورداً على سؤال يتعلق «بالسمسرة» أو الرشوة التي تفرض على المواطنين من جانب معقّبي المعاملات، أكد المصدر في قائمقامية بعلبك أن «مكافحة السمسرة من ضمن الأولويات»، ذلك أن المديرية العامة للأحوال الشخصية «نظمت حتى دور المخاتير، إذا أرادوا متابعة مواطنيهم فكيف بالرشوة التي تمثّل جرماً جزائياً شائناً»، ولفت انتباه المواطنين إلى «التعاميم الموجودة في دوائر الأحوال الشخصية التي توضح كلفة كل معاملة».
«قلة الموظفين في الدائرة تسبب فوضى عارمة» بهذه العبارة وصف المختار علي العريبي، حال دائرة نفوس شمسطار. وأكد أن البلدية حالياً تنتدب «أحياناً موظفين يتقنون الكتابة لتقديم المساعدة ريثما يجري حل المشكلة من الوزارة». وناشد المختار وزير الداخلية إيلاء مشكلة الدائرة الاهتمام الكافي لناحية الموظفين من جهة، وتطوير الدائرة من جهة ثانية، وخاصة أنها ستشهد خلال الفترة المقبلة ضغطاً كبيراً في العمل نتيجة اقتراب موعد الانتخابات النيابية، وما يتطلب ذلك من لوائح ووقوعات وتصحيح أعمار، وأضاف العريبي «دائرة شمسطار تحتاج إلى المكننة بالنظر إلى حالة السجلات التي باتت مهترئة كلّياً».
واقع دائرة شمسطار المزري تعكسه حالة السجلات فيها والمكاتب الصدئة، والمبنى الذي يفتقد الموقع المناسب لكونه «موجوداً عند مدخل البلدة، وبعيداً عن البلدية والمراكز الأمنية»، حسبما يؤكد أحد الموظفين الرسميين في الدائرة، مضيفاً: «إن ذلك يمثّل خطراً على الدائرة وسجلاتها، حيث يستطيع أي شخص منزعج من إنجاز المعاملات أن يأتي ليلاً ويحرقها دون أن يشعر به أحد». متسائلاً «لماذا لا تُنقل الدائرة إلى مبنى البلدية أو فصيلة شمسطار؟»، وأوضح أن إيجار الدائرة السنوي يبلغ 7 ملايين و500 ألف ليرة، وأن مازوت التدفئة يجري تأمينه من أول الشتوية «بالدين من إحدى محطات المحروقات، وترفع الفواتير إلى الدولة، وحتى اليوم لم تغطّ هذه الفواتير». وأضاف إن السجلات المهترئة لم تعد تساعد على التعرف إلى عدد كبير من أسماء المواطنين المسجلين، ولا إلى تواريخ خاصة كسجل القيد ونقل النفوس من خانة إلى أخرى، ما يدفع الدائرة إلى تكبيد هؤلاء المواطنين تكاليف جديدة كـ«إرسالهم إلى المديرية في بيروت». ولفت إلى أن العديد من المراسلات الرسمية «رفعت إلى الإدارات المعنية، ومنها مجلس الخدمة المدنية، لكن الجواب لم يأتِ حتى اليوم!»
مختار بلدة طاريا، علي حمية، لفت إلى معاناة أهل المنطقة عند استحصالهم على أي معاملة قانونية «لناحية الانتظار الطويل (من ثلاثة أيام إلى أربعة بدلاً من ساعة)، وحيث لا وجود لمقعد انتظار أو أي تدفئة ممكنة». وأوضح حمية أن ملاك الدائرة «8 موظفين لا يوجد منهم إلا رئيس الدائرة بالتكليف وموظف واحد مولج إنجاز المعاملات لأكثر من 90 ألف مواطن، فضلاً عن لوائح الانتخابات، فقد وردت منذ شهر الى الدائرة لوائح حوالى 43 ألف ناخب لوضع اسم الأم لهم بمهلة أقصاها نهاية الشهر».
هكذا، يقبع المواطن بين سندان واقع دائرة الأحوال الشخصية التابع لها، وبين مطرقة إهمال الدولة، الأمر الذي دفع الكثيرين لطريق أسهل للتخلص من «المشاحنات وبرد الانتظار بالرشوة بدءاً من 5 آلاف ليرة لبيان القيد الإفرادي» كما يقول بعضهم ممن رفضوا ذكر أسمائهم. أما سكوتهم، فليس لأنهم شياطين خرس، بل لحفظ «خط الرجعة» من جهة، وحتى لا «نوجع رأسنا بعقوبة الراشي والمرتشي» من جهة ثانية. لأنه بحسب تعبيرهم «لو في دولة لكانت قد أرسلت «أحدهم» لإنجاز معاملة وتقديم رشوة وعندها بيعرفوا المرتشي».