بدأ، أمس، المدرسون المتعاقدون في التعليم الأساسي اعتصاماً مفتوحاً في ساحة رياض الصلح وإضراباً يبقي عشرات آلاف التلامذه خارج مدارسهم
فاتن الحاج
كأن معاناة التعاقد وحدها لم تعد تكفي زينب السبلاني، المتعاقدة في ابتدائية بعلبك الأولى الرسمية، وما كان ينقصها هو سحب الساعات منها بحجة الإضراب ومقاطعة الدروس. أما القرار، فتبلّغته السبلاني أمس في اتصال هاتفي تلقته من مديرة الابتدائية التي وزعت ساعاتها الـ10 على معلمين آخرين «لأنّو بدي مشّي المدرسة». وكانت السبلاني قد اجتازت عشرات الكيلومترات لتنضم إلى زملائها المتعاقدين في الاعتصام المفتوح وسط بيروت، بعدما «كوتنا نار التأجيل والتسويف والوعود الفارغة، وخصوصاً أنّها السنة السابعة لي في التعاقد».
قَدِم المعتصمون باكراً إلى ساحة رياض الصلح. هناك أعدّوا العدّة لتحرك طويل لن ينتهي قبل مساء الخميس المقبل. لكن المتعاقدين لم ينموا بجانب تمثال رجل الاستقلال كما كان متوقعاً بل فكّوا الاعتصام بعد الظهر ليتواعدوا مجدداً في العاشرة من صباح اليوم. لم يُحضر المعلمون الخيم كي لا يعيدوا ربما الماضي القريب إلى الذاكرة، فيما هم يؤكدون أنّ حركتهم مطلبية بعيدة عن أي تسييس، «وما تحسبوها طائفية نحنا كلنا لبنانية»، كما جاء في إحدى اللافتات.
وفي هذا الإطار، لم تجد آمال المصري، المتعاقدة منذ 11 سنة مع أكثر من مدرسة رسمية في الشمال، أفضل من تكبيل يديها برباط أزرق. أما الرباط، فهو القيد بعدما أصبحت «أزمتنا بحر وتعاقدنا دهر وحقنا هدر وعقدتنا قهر». والأزرق هو لون تيار المستقبل «الذي أنتمي إليه»، في إشارة إلى أنّ المعاناة لا تستثني أحداً. تحمل المصري جدارة في تاريخ العمارة، «وبعدنا عم نشحد الساعات لنربي أولادكم يا مسؤولين نكاية بكم»، تقول بثقة.
في مكان آخر، فجّر زملاء المصري معاناتهم شعارات مبتكرة: «مطالبنا مقابل صوتنا، يا رئيس الجمهورية وينك من هالقضية مات ناس وعاش ناس ونسيوا المتعاقد بالأساس، في الشهادات الرسمية من الأوائل يا بهية، يا كتلة الإصلاح والتغيير ساعدونا في تقرير المصير».
أما رئيس لجنة متابعة قضية المتعاقدين، ركان فقيه، فحرص على التأكيد «أننا لسنا هواة إضراب أو نرغب في الشغب والمشاكسة، بل نستخدم حقنا الديموقراطي بعدما تحوّل التواصل مع المسؤولين إلى ما يشبه حوار الطرشان». وشرح للمعتصمين «أننا سننفّذ الإضراب المستمر في جميع مدارس التعليم الأساسي الرسمي، والاعتصام يومياً في هذه الساحة طوال أيام انعقاد الجلسات العامة للمجلس النيابي، على أن تجري دعوة الجمعيات العمومية لتحديد الخطوات اللاحقة، وخصوصاً الاعتصام أمام المناطق التربوية والمراكز الحكومية في المحافظات، وتحديد موعد لتظاهرة مركزية في العاصمة تضم المتعاقدين ونقابات وروابط المعلمين ولجان الأهل والتلامذة». وأوضح أنّ «إضرابنا سيترافق مع سلسلة لقاءات سنجريها مع الكتل النيابية والهيئات النقابية في العاصمة». وذكّر الفقيه إن نفعت الذكرى بالمطالب المتمثلة بتثبيتهم عبر المباراة المحصورة، وزيادة بدل ساعة التعاقد والحصول على الضمانات الاجتماعية وبدل النقل.
لكن المعتصمين لم يستطيعوا كبح قهرهم فلم يلتزموا ما قاله الفقيه بشأن «أننا لن نقبل إقدام أي زميل على قطع طريق أو الإساءة لرجل أمن أو الإضرار بغصن شجرة»، بل حاولوا اقتحام الطوق البشري الذي نفذته قوى مكافحة الشغب حولهم، مانعة إياهم في بادئ الأمر من العبور إلى الشارع المجاور. ثم فشّ المعلمون خلقهم، بعدما كانت القوى الأمنية قد قطعت الطريق أصلاً، و«لأنّه إذا ما قطعنا الطريق ما حدا يرد علينا»، كما قالت إحداهن.