أجهزة أمنية تكنولوجية تكشف النيات وتقرأ أحاسيس الخاضعين لها، هذه أحدث تقليعات الشركات الإسرائيلية الرائدة عالمياً في التكنولوجيا الأمنية. الأجهزة قيد الاختبار في مطارات دولية لتشكل جزءاً من آلاف الصفقات التي ستبرمها شركات تروّج لنفسها باعتبارها متقدمة في محاربة الإرهاب والعرب

بيسان طي
تقطع ممرات مطار دولي في بلد غربي، تتراءى لك عبارة «الجهاد الإسلامي» مكتوبة بالعربية، حينها ستكون دون أن تعلم عرضة لأجهزة مراقبة تكنولوجية عالية الذكاء، وهي ستتولى تحليل مشاعرك ليعرف الأمنيّون إن كنت تنوي القيام بعمل إرهابي على متن الطائرة أو في أرض المطار. هذا المشهد لا ينتمي إلى ألعاب الفيديو والخيال العلمي، ولا إلى أفلام هوليود المشاركة في الحرب على الإرهاب، إنه سيناريو شركات إسرائيلية متخصصة في برمجة وصناعة ما يُعرف بتكنولوجيات الأمن (High Tech Security)، وتقدّر الهيئة الإسرائيلية للتصدير عدد هذه الشركات بنحو 400 شركة.
«غولان غروب» و«نايس» و«كومفيرس» و«ماغال» بعض الشركات الإسرائيلية التي لمعت في السنوات الأخيرة، وتمكنت من قطف ثمار البروباغاندا التي شاركت الدولة الإسرائيلية نفسها في الترويج لها.
في ما يخص أمن المطارات، ومرافق السفر، تقضي السياسة الجديدة لهذه الشركات بالانتقال من مرحلة «تحليل ما يحمله المسافر من أغراض» إلى مرحلة «تحليل مضمون شخصية المسافر»، ويمكننا قراءة مثل هذا الشعار في تصريحات نقلتها شبكة «سي أن أن» أو مثلاً في الموقع الإلكتروني لشركة ATHENA GS3 الإسرائيلية. تعلن الشركات الإسرائيلية أنها تطوّر أجهزة وتكنولوجيات تعمل على تحديد نيات من يخضع لعملية الفحص والتدقيق. الإعلان تمّ أخيراً عبر المواقع الإلكترونية لبعض الشركات، وتناولته وسائل إعلام غربية. ولكن هل صحيح أن هذه التكنولوجيات ما زالت قيد التجريب «المخبري»؟ بالتأكيد لا، ففي 4 شباط 2007 نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» مقالاً مطوّلاً عن دورة تدريبية نظمتها شركةNew Age الإسرائيلية، وخضع لها العاملون في مطار ميامي الأميركي، وكان الهدف منها تعليمهم على كيفية استخدام تكنولوجيات الشركة التي تسمح لهم بالتعرف على «الأشخاص السيئين»، وجرى تدريب الخاضعين للدورة حينها على عدة برامج، أبرزها برنامج «Behavioral Pattern Recognition».
أما البرامج الجديدة فتقوم، وفق ما يتمّ الترويج لها، على تقنيّات تكشف سلسلة الانفعالات المترابطة، والإشارات السيكولوجية التي تترجمها الأعصاب.



شركة WeCU مثلاً تروّج لبرنامج يتضمن مجموعة من الإشعة دون الحمراء، وتقنية التصوير عن بعد مدمجة بأجهزة استشعار، وجاء في موقع «سي أن أن» أن هذه التقنيات «قادرة على كشف ردات فعل الخاضع لها تجاه أي نوع من الأحداث المنشّطة لذاكرته أو لأعصابه، وذلك من خلال قراءة حرارة الجسد، ومعدل نبضات القلب وأسلوب التنفس».
شركات «تكنولوجيا الحماية» الإسرائيلية شريكة أساسية في «الحرب على الإرهاب»، وهي تحتل الصدارة العالمية في هذا المجال، وكانت هذه الشركات قد استفادت من عدة أمور، منها أحداث 11 أيلول. أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش إطلاق «الحرب العالمية على الإرهاب»، ومع مشاركة دول كثيرة فيها، وتنامي الخوف في عدد من الدول الغربية من «الإرهابيين العرب» وتعاظم ما سُمّي «إسلاموفوبيا»، عندها تقدمت الشركات الإسرائيلية لتروّج لتكنولوجيّاتها في الحماية من الإرهابيين، واللافت أن الشعار الذي تستخدمه «نحن أصحاب خبرة طويلة في محاربة الإرهاببين»، وتقصد بهم بالطبع المقاومين الفلسطينيين، واستفادت هذه الشركات من التزاوج بين العربي والإرهابي في المخيّلة الأميركية، بل قال البعض إن «إسرائيل تبيع خبرتها في محاربة الفلسطينيين والعرب». تطوّر التكنولوجيا الإسرائيلية ما كان ليتمّ لولا عاملان، الأول يتمثل في هجرة اليهود الروس إلى إسرائيل في التسعينيات من القرن الماضي، وبينهم عدد كبير من العلماء والمتخصصين في شؤون التكنولوجيا، كان هؤلاء يملكون خبرة ومعرفة أكبر من الإسرائيليين في مجال تطوير تكنولوجيات الحرب، وقد استقطبتهم الشركات الإسرائيلية، وسمّاهم شلومو بن عامي «قوة الدفع في صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية».
أما العامل الثاني فيتمثل بالاستفادة من خبرات المجنّدين الإسرائيليين متخرّجي كليات التكنولوجيا ومعاهدها، فبعدما ينهي هؤلاء فترة الخدمة العسكرية الإجبارية، يجري توظيفهم في الشركات المصنّعة للتكنولوجيا. في عددها الصادر في 12 كانون الأول 2005، جاء في مجلة «فوربس» أن إسرائيل «وجهة الباحثين عن تكنولوجيات محاربة الإرهاب». ما الذي جرى أخيراً، هل يمكن اعتبار التوجه الجديد للشركات الإسرائيلية مجرد تطوّر طبيعي لعملها، أم أنها استشعرت أن الأزمة المالية الجديدة ستجعل الحرب على الإرهاب مسألة ثانوية؟ فبدأت بطرح حلول «أكثر فاعلية وكلفتها منخفضة». أم أن الأمر متعلق بتذمّر مسؤولي أمن المطارات من محدودية فاعلية التكنولوجيات المعتمدة؟
مهما كان السبب، من اللافت أن هذه الشركات لم تعدّل شعاراتها، ما زالت تروّج، وإن بشكل مبطن، العداء للعرب، وإلا كيف نفهم الحديث عن البرمجيات الجديدة من خلال قراءة ردات الفعل تجاه عبارات مكتوبة باللغة العربية.