ضحى شمسجلس «الجمهور» ساكناً في مقاعده، متهيّباً المكان الذي أتاه بعضهم من قريته البعيدة. فهنا نقابة الصحافة اللبنانية التي اجتمع فيها أقارب ضحايا كارثة طائرة كوتونو للتذكير بأن حقوقهم لم تصلهم بعد 5 سنوات. فلا الجثث السبع التائهة عثر عليها، ولا الدولة اللبنانية تفتش أصلاً عن رعاياها المغتربين، هي المتجاهلة أصلاً لآلاف المخطوفين اللبنانيين على أراضيها بأيدي بعض أعضاء السلطة القائمة منذ اتفاق الطائف، فكيف لهذه السلطة أن تنبش تلّة نفايات الفساد التي اسمها كارثة كوتونو؟ صراخ بعض الأطفال، المتململين بين أذرع أهاليهم، وحده تجرأّ على الصمت المطبق، فيما كانت كاميرات التلفزيونات تعدّل تصويبها إلى المنصّة التي انتظرت وصول النائب السابق حسن علوية، رئيس لجنة أهالي الضحايا. في الصف الأمامي، جلس رامي حلواني الشاب الشجاع الذي حلّ محل الدولة اللبنانية في التفتيش عن جثة أخيه، والذي ساعد في التوصل إلى استنتاج أن جثة أخيه، وجثثاً أخرى، قد تكون دفنت في بنغلادش.
يصل علوية والنقيب محمد البعلبكي. تهمس إحدى الزميلات الصغيرات لزميلها «يا الله هلق بيقعد يحكي وما منعود نخلص» تقصد النقيب، مردفة، «معقول أنا آخذة جائزة على موضوع عن كوتونو لما كنت بالثانوية وهلق صرت صحافية وعم غطي القصة نفسها؟».
النشيد اللبناني. يقف الجميع. فيما كان البعلبكي مصرّاً على «التمتمة» بكلمات النشيد، داعياً بعينيه الحضور، ممن لا تحرّك الدولة ساكناً لإنصافهم، أن يردّوا وراءه! ثم دقيقة صمت عن أرواح الشهداء، ليلقي علوية كلمة جاء فيها ما ورد في تحقيقنا أمس. وأشار علوية إلى أن «الجناة الأساسيين فارون، ودولتنا لم تحاول استردادهم، والقضية عالقة أمام محكمة الجنايات التي وصلت إليها محاطة بالاحتضان الكامل للقتلة والفارين. في هذه الذكرى ولولا لجنة التحقيق الفرنسية BEA، التي وجدت في مقدمة حطام الطائرة وثيقة تثبت تلاعب أصحاب شركة UTA بتنظيم وثيقة مزوّرة بالحمولة (فارق 7 أطنان) ما يثبت جريمة القصد الاحتمالي، وعدم وجود صيانة للطائرة من قبل مدير التشغيل (درويش الخازم) لكانت الجريمة قد طمست». وأضاف «من سمح لطائرة الموت التي استقدمت خردة من صحراء سوازيلاند، بـ25 رحلة ناقلة الأموال إلى ذوي النفوذ ومن كان لهم شركات خلوي في بنين، كما أثبتت التحقيقات في محكمة الجنايات؟». ثم صعد صلاح جفال والد الضحية خليل. قال الرجل، وقد احمرّ وجهه لرغبته بكبت دموع لم ينجح في حبسها: «لست خطيباً ولست بشاعر، لكني فقدت أحسن ما لديّ»، يغصّ بدمعه ويتابع «والحمدلله. أول ما بدأنا اليوم كان النشيد اللبناني. ونحن لبنانيون يا فخامة الرئيس سليمان. أولادنا تغرّبوا وأرسلوا جناهم إلى وطنهم، أهناك أقل من أن نأتي أهلهم بجثثهم؟». ولم يعد يستطيع الكلام. تفرّ الدمعة من عيني صباح عباس والدة الضحية علي سعد: «بدل ما يعملوا حالهم عمّ يتقصّوا خلّيهم يقعدوا ببيوتهم» تقول. يخرج الناس ووالد حسين ترمس الذي ماتت زوجته غمّاً لعدم العثور على جثة ابنها، يقول وهو يحمل ابنه من زواج ثانٍ «اللي أخفتهم إسرائيل من 30 سنة بيّنوا، وأولادنا مش قادرين نوصلهم؟ ولك تفوووه».