بنت جبيل ـ داني الأمينمنذ السبعينات، بدأت معامل الأحذية وورشها التي اشتهرت بها مدينة بنت جبيل الجنوبية بالإقفال، لينتقل شباب المدينة على مدى عقود إلى مصانع السيارات في مدينة ديربورن، إحدى مدن ولاية ديترويت في الولايات المتحدة الأميركية، يعملون ويرسلون إلى ذويهم في لبنان ما يعيشون منه، ويبنون للمغتربين «قصوراً» دليل تفوقهم ووجاهة اكتسبوها بقوة الذراع والذهن.
لكن النعمة التي عاشتها بنت جبيل قد تنعكس نقمة على بلدهم الأول لبنان. فبنت جبيل التي لم تشلّ حركتها الاقتصادية حتى أثناء الاحتلال الإسرائيلي بسبب تحويلات أبنائها المهاجرين، وخصوصاً من الولايات المتحدة (20 ألف مهاجر مقيم)، قد تختنق اقتصادياً في الأشهر المقبلة، فيما لو استمر التراجع السلبي للاقتصاد الأميركي، وانتهى إعمار المدينة المهدمة في تموز 2006 بعد قبض المتضررين تعويضاتهم من قطر.
يسهب ناظم ظاهر، ابن بلدة بنت جبيل، القادم للتوّ من الولايات المتحدة في زيارة قسرية، في حديثه عن الانعكاسات الخطيرة على مستقبل أبناء بنت جبيل. فيرى أن «تعب السنوات الطويلة في العمل خارج الوطن، ذهب سريعاً، فأغلب أبناء بنت جبيل يستثمرون أموالهم في شراء العقارات ومحطات البنزين والأسهم، التي تراجعت أسعارها تراجعاً مخيفاً، ما أثر في إمكان عودتهم النهائية إلى لبنان». وأضاف ظاهر «كنت خلال سنوات الهجرة الطويلة قد اشتريت محطة للوقود بـ700 ألف دولار، مع منزل بقيمة 250 ألف دولار بواسطة قروض مصرفية على أن أبيعهما في السنوات المقبلة لأعود إلى لبنان مكتفياً بسنوات الهجرة تلك. لكن ما حدث أدى إلى تراجع القيمة الشرائية إلى النصف وما دون، ما يجبرني وأسرتي على البقاء في المهجر لسنوات طويلة». ولأضاف «كثيرون من أبناء بنت جبيل كانوا قد اشتروا بأموالهم أسهماً في شركة فورد للسيارات، لكن قيمة السهم الواحد تراجعت من 35 دولاراً إلى دولارين فقط، ما قضى على رأسمال هؤلاء». ويرى ظاهر أن «ما حدث سيمنع شبان بنت جبيل من الهجرة، فالعمل في لبنان أصبح أفضل. أما الذين هاجروا فلا يستطيعون العودة حتى صيفاً مع عائلاتهم، لكلفة ذلك».
مختار بنت جبيل، نمر بيضون، يحمل الجنسية الأميركية، ويرتزق من حوالات أبنائه السبعة. يعترف المختار بتأثره المباشر بالوضع الاقتصادي السيئ «معظم بيوت بنت جبيل تعتمد على تحويلات المغتربين. لكن ما يحدث الآن في أميركا جعل من هذه الأموال تتناقص شيئاً فشيئاً، ما يدل على سوء أوضاع أبنائنا العاملين هناك. حتى إن تحويلات بعض الموسرين بقصد المساعدة الاجتماعية أو المساهمة في المشاريع العامة توقفت. أما العمال، وخصوصاً في مصانع السيارات، فهم مهددون بالبطالة، وبعضهم توقف فعلاً عن العمل، ويكثر الحديث عن زيادة العاطلين من العمل مطلع العام المقبل». ويتحدث بيضون عن أبنائه وأقربائه فيقول «ابني حسان خسر نصف رأسماله، فهو يشتري العقارات، التي تدنت أسعارها إلى أقل من النصف. كان يبيع منزلين في الشهر الواحد، لكن حركة البيع توقفت نهائياً». ويتحدث بيضون عن قريب له مقيم في بنت جبيل مع زوجته وثلاث من بناته، فيقول «قال لي قريبي هذا، إن أولاده لم يعد باستطاعتهم إرسال المال إليه، وهو عجوز لا يقدر على العمل». ويلفت رئيس بلدية بنت جبيل، المهندس عفيف بزي، إلى أن «حركة بناء البيوت للمغتربين الأميركيين في بنت جبيل قد توقفت، والنشاط الأقتصادي في المدينة لم يعد يعتمد إلا على حركة إعادة إعمار المدينة بالتعويضات القطرية». ويقول «أحد معارفي في أميركا اشترى بأمواله أسهماً بسعر 70 دولاراً للسهم الواحد، فأصبح الآن سعر السهم بـ6 دولارات»، ويضيف «المغتربون تعهدوا بناء القصر البلدي وكلفة بنائه مليوني دولار، وقد بدأوا بذلك فعلاً بـ300 ألف دولار، لكنهم اليوم توقفوا بسبب الوضع الخانق».