أحمد محسن«إنني أتبنى موقفاً سلبياً مطلقاً من حكم الإعدام، يعود إلى إيماني بأن القتل، حتى قتل القاتل، لا يجوز». هكذا برر الرئيس سليم الحص رفضه توقيع مرسوم إعدام شخصين عام 2000، وكان هذا التبرير خلال الندوة الوطنية لمناهضة الإعدام، التي عقدت أمس في بيروت. الندوة ليست الأولى من نوعها، بل تأتي في سياق حملة طويلة، بدأتها مجموعة من الهيئات الإنسانية اللبنانية، بالتعاون مع المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، منذ عام 1997. لم تكن كلمة الرئيس الحص هي الكلمة الوحيدة المميزة في الندوة، كونه أول رئيس عربي يرفض التوقيع على حكم إعدام. في البداية، ألقت السيدة صفاء الضيقة (باسم الهيئة المنظمة) كلمة ترحيبية لم تخلُ من الألم. رفضت الضيقة الإبقاء على التداخل القائم بين الموت والقانون. لكنها في الوقت عينه أشارت إلى تسلل بعض الأمل إلى شرايين القانون، بفضل الجهود التي شاركت فيها أكثر من جمعية وحزب للمطالبة بإلغاء العقوبة، وأنتجت في منتصف عام 2001 إلغاء قانون المجلس النيابي الرقم 302/94 بعنوان: «القاتل يقتل». تجدر الإشارة إلى أن هذا القانون يعود إلى شريعة حمورابي الأثرية. ختمت الضيقة حديثها بهدوء: «المسيرة مستمرة»، في ما بدا كأنه إصرار على وجوب التخلّص من عقوبة الإعدام، الأمر الذي يعود بالذاكرة إلى ورشة سابقة للهيئة المنظمة (2006)، خلصت آنذاك إلى ضرورة أنسنة العقوبة ومحو صورتها الثأرية.
بعد انتهاء الكلمات الترحيبية، انطلق المجتمعون إلى الجلسة الأولى من الندوة. دُرست في الجلسة آفاق إلغاء عقوبة الإعدام، فقدم الدكتور وليد صليبي محاضرة وضح من خلالها المرتكزات اللاعنفية لتعديل القانون وإلغاء العقوبة، التي وصفها بـ«عقوبة الموت». وقسمت بقية الجلسة على محاور ثلاثة، عرض الأول منها مشروع قانون إلغاء الإعدام المقدّم من وزير العدل إبراهيم نجّار، قرأ فيه عمر الناطور، المدير العام للوزراء، المشروع، موضحاً بعض النقاط. وفي المحور الثاني، حصلت قراءة مشابهة، لا سيما اقتراح إلغاء العقوبة المقدّم من سبعة نواب، بحضور النائب مروان فارس الذي كان أحدهم. أما المحور الأخير، فتناول مشاريع «الحملة الوطنية»، قبل أن تنطلق فترة نقاش هادئة، استمرت حتى الجلسات الثانية والثالثة، التي تناولت بلورة التوصيات، وتعريف عقوبة الإعدام تبعاً للمعايير الدولية. والمعايير الدولية ليست السبب الوحيد لشطب هذه الهوية من صلب القانون اللبناني، إذ أكد استطلاع لرأي النواب في لبنان عن عقوبة الإعدام أجرته حركة «حقوق الناس»، أن 74% منهم أظهر رغبة في إلغاء فوري أو تدريجي للعقوبة، فيما رأى 39% أنه مع تجميد تنفيذ الأحكام، وبقي 34% فقط من نواب لبنان ضد التجميد. أما اليوم، فينشغل مجلس النوّاب اللبناني عن بحث قضايا حقوقية إنسانية، فيما ينشغل بتزفيت الطرق وإطلاق الحملات الانتخابية.


تقدير من الأمم المتّحدة وتوصيات

في خطوة تقديرية، أرسل ممثل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط، فاتح عزام، رسالة إلى المجتمعين، أوضح عبرها دعم القانون الدولي لحقوق الإنسان للمطالب المطروحة، لافتاً انتباه المكتب إلى حالة القضاء في المنطقة العربية. وفي إشارة تتناسب مع الأزمة القضائية اللبنانية، نبه المكتب من تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء في الشرق الأوسط، ما يعزز استخدام الإعدام كنتيجة طبيعية لحالات الطوارئ ومحاربة الإرهاب. طلب مكتب حقوق الإنسان المزيد من الدراسات، كي يتسنى له تبيّن إن كان استخدام هذه العقوبة مبرراً، أم إنه «حرمان تعسفي للحق في الحياة»، واستعمال مفرط لعقاب مهين، لا يمكن اعتباره إنسانياً على الإطلاق. أبرز التوصيات التي صدرت عن المؤتمر، طالبت السلطات اللبنانية «بتبني قرار الأمم المتحدة الرقم 149/62 الداعي إلى إلغاء القانون». برأي الأمم المتحدة، لبنان ما زال بعيداً عن حقوق الإنسان، في ضوء استمرار ارتكاب «الموت المتعمّد».