إبراهيم الأمينفي كل العالم هناك من هو معجب بالولايات المتحدة، ليس بتقدّمها العلمي والاقتصادي وحسب، بل بسياسات إدارتها المتعاقبة أيضاً. لا يقتصر الأمر على أنظمة وحكومات أو قوى، بل يتجاوزه إلى أفراد من الذين ينتشرون ربما بمئات الألوف أيضاً في عالمنا العربي. لكن المؤذي في الصورة ليس الموقف السياسي أو العقائدي الذي يمكن المرء أن يتخذه تجاه أي قضية ذات طابع خلافي، بل هو الموقف الأخلاقي المعيب الذي يجعل من البعض، ولا سيما الإعلاميين، يتخذون موقفاً مطابقاً للموقف الأميركي من مسائل ليست محل نقاش، إلا إذا كان هؤلاء الإعلاميون يرون أن احتلال أرض والقهر وقتل شعب وتغيير نظام أمر ممكن أو مبرر.
ولكن يبدو أن من ينطق بالموقف اللاأخلاقي من قضية الصحافي منتظر الزيدي هو نفسه الذي يشعر بأنه بات لا يقدر على الاستمرار في الحياة من دون التماهي مع الإدارة الاميركية، وصولاً إلى حدود أن هؤلاء يتصرفون كأنّ الحذاء الذي نجا منه الرئيس الأميركي جورج بوش قد أصابهم هم، وربما هذه هي الحقيقة. وإلا فما معنى وأبعاد المواقف المتتالية من إعلاميين يعملون في مؤسسات تموّلها الإدارة الأميركية مباشرة، تطوّعوا لكتابة ما يخجل أن يكتبه أي صحافي أميركي دفاعاً عن رئيس تافه ومجنون قبل أن يكون مجرماً.
غير أن الأمور لن تستوي عند هذا الحد، لأن القضية لا تتصل بسلوك أفراد، بل في ما يعمل عليه الكبار من الذين يدورون في الفلك الأميركي، هؤلاء الذين يحاولون الإمساك بالإعلام ومحاصرته بذريعة «التهذيب واللياقات». وإلا فما معنى إعلان المبادئ الذي يعرضه وزير الإعلام في جمهوريتنا على وسائل الإعلام، أليس محاولة جديدة لما أقرّه وزراء الإعلام العرب قبل مدة لمحاصرة من لا يعجب حضرات أصحاب الجلالة والسمو والفخامة ومَن حولهم مِن أجهزة وزوّار الليل. وهل يعتقد الوزير طارق متري أنّ بإمكان عاقل في لبنان أن يقرّ بهذه الخطوة التي تجعل وزارة الإعلام صاحبة سلطة وصاية يستخدمها الحاكم لكي يكون لبنان على شاكلة الأنظمة القابضة على أرواح الناس. وهو أمر لن نقبل به تحت أي ظرف وسوف نقاومه كأنّه بقية لاحتلال.